الجمعة 26/أبريل/2024

يافا ودلالات إحيائها يوم الأرض

يافا ودلالات إحيائها يوم الأرض

صحيفة الخليج الإماراتية

يتمايز البشر، أفراداً وجماعات، بكفاءة قراءة ماضيهم وتبين نقاط القوة والضعف في مسيرتهم. لأن معرفة الماضي شرط إدراك معطيات الحاضر إدراكاً يؤسس لاستشراف المستقبل بالقدر الأكبر من وضوح الرؤية. وعلى مدى التاريخ الإنساني كان وعي الشعوب لتاريخها واعتزازها بصفحاته المشرقة عاملاً أساسياً لشعورها بالثقة في تقديم الاستجابة الفاعلة للتحديات. ويذكر أنه في مواجهة زحف القوات الألمانية على روسيا لجأ ستالين إلى تذكير الروس بأمجاد القياصرة العظام ليستثير حميتهم. ومن هنا تدرك خطورة الدعوات المتوالية لأن يهتم العرب بالحاضر وينسوا ما فات، كي لا يستلهموا تاريخهم الحافل بقهر الغزاة ويظلوا أسرى ثقافة الهزيمة في واقع مأزوم.

وشعب فلسطين لا يتميز فقط بانتمائه لأمة غنية الموروث الحضاري، وإنما أيضاً بكونه في مقدمة الشعوب المعاصرة التي فرضت ذاتها على التاريخ، إذ على مدى القرن العشرين كان صموده الأسطوري وامتناع إرادته في المقاومة على الاستلاب موضوع اهتمام صناع القرار وأجهزة الإعلام دولياً وإقليمياً. وليس ينكر أن نخبه الفكرية والسياسية لم تتوصل بعد لصياغة الاستراتيجية العامة والدائمة لإدارة الصراع مع التحالف الاستعماري الصهيوني. إلا أنه منذ تصدى فلاحو الخضيرة دفاعاً عن أراضيهم لمستوطني “بتاح تكفاه” سنة 1886 شكل رفض جماهير شعب فلسطين القبول بالأمر الواقع، واستعدادها لتحمل تبعات الصمود والمقاومة، ورفض التفريط بالثوابت الوطنية، والمساومة على حقوقها المشروعة مضمون استجابتها العفوية للتحدي الاستعماري الصهيوني.

وعلى مدى السنوات الممتدة منذ ذلك اليوم التاريخي كان الاستشهاد دفاعاً عن الأرض أبرز معالم الحراك الوطني الفلسطيني. ويظل يوم شهداء سخنين الستة في 29/3/1976 بين أهم أيام الاستشهاد العربي على كثرتها، لوقوعه في الأرض المحتلة سنة 1948 برغم ما تعرض له مواطنوها العرب من ضغوط استهدفت تطويع إرادتهم.

ولقد تعددت مواطن إحياء الذكرى الثانية والثلاثين ليوم الأرض هذا العام في فلسطين المحتلة وفي الشتات العربي والدولي، ما يدل دلالة جلية على حيوية الذاكرة الجمعية للشعب العربي الفلسطيني ووعي نخبه وجمهوره بتاريخه وحرصهم على إظهار صحائفه المشرقة، فضلاً عن أن في اتساع دائرة إحياء يوم الأرض مؤشراً إلى سعة إطار المؤمنين بالممانعة والمقاومة خياراً استراتيجياً. وبالتبعية محدودية تأثير ثقافة الهزيمة وعبثية التزامات من أدمنوا تقديم التنازلات.

فضلاً عن أن زحف الآلاف، ذكوراً وإناثاً شيباً وشباناً، من الجليل والمثلث وحتى النقب إلى يافا لإحياء يوم الأرض في البلد التي كانت عروس المتوسط قبل أن يحتلها تتار العصر يوم 26/4/1948، أكثر من دلالة، ذات أبعاد تاريخية وأخرى مستقبلية للمكانة التي تحتلها يافا في تاريخ فلسطين، ومؤشرات استعادتها تألقها الوطني على التطور الكيفي في واقع عرب الأرض المحتلة سنة 1948 ودورهم في حاضر ومستقبل الصراع الممتد مع التحالف الاستعماري الصهيوني.

كانت يافا على مدى قرون أحد أبرز موانئ المتوسط، مما جعلها على تواصل وتفاعل مع مصر ولبنان والعمق العربي، كما مع جنوبي أوروبا، فضلاً عن أنها منذ السنوات الأخيرة للقرن التاسع عشر غدت والجليل الشرقي أبرز موقعين مستهدفين بالاستيطان الصهيوني. وبالتالي تميزت بالوعي المبكر على ما يستهدف أرض فلسطين وشعبها. ففي سنة 1911 تشكل فيها “الحزب الوطني”، أول حزب عربي في فلسطين. وفي السنة ذاتها صدرت فيها صحيفة “فلسطين”، التي شاركت في التوعية بالخطر الصهيوني مع صحف: الرأي العام والمفيد والحقيقة البيروتية، والمقطم القاهرية، والمقتبس الدمشقية، بعدما كانت سلطة الاتحاديين الأتراك قد عطلت “الكرمل” التي كانت قد صدرت في حيفا سنة 1909، وتميزت وصاحبها نجيب نصار بالموضوعية والجرأة في فضح تساهل غلاة الطورانيين الأتراك تجاه الهجرة والاستيطان لالتقائهم مع الصهاينة على معاداة الحركة القومية العربية الناشئة.

وفي يافا انطلقت أول انتفاضة فلسطينية سنة 1920، وفيها وقعت المظاهرة الشعبية الكبرى سنة 1933، التي أصيب فيها شيخ الحركة الوطنية يومذاك موسى كاظم الحسيني بجراح تسببت بوفاته. وفيها أعلن يوم 20/4/1936 الإضراب على خلفية صدامات اليوم السابق في مناطق التماس مع تل أبيب، وتشكلت فيها أول “لجنة قومية” للإشراف على الإضراب، لتتبعها القدس باتخاذ قرار وطني بالإضراب العام وتشكيل اللجان القومية في عموم فلسطين، ولتتفجر الثورة التي أسقطت مشروع التقسيم الأول الذي طرحته لجنة بيل سنة 1937. وما إن بادر الصهاينة بالعدوان غداة صدور توصية الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين بالقرار 181 في 29/11/1947 حتى كان شباب يافا في مقدمة المتصدين للمعتدين. وتواصلت اشتباكاتهم على مختلف المحاور مع تل أبيب في شمالها، والمستوطنات في شرقها وجنوبها، وتواصل إيقاعهم إصابات مباشرة بالعدو حتى تعذر عليهم المقاومة تحت ضغط كثافة هجومه منذ مطلع مارس/آذار 1948.

ولأن يافا تميزت تاريخياً بكونها مركز الثقافة العربية الأول في فلسطين، ومنطلق الحراك الوطني طوال السنوات السابقة للنكبة، ولاحتلالها موقعاً استراتيجياً في مركز ثقل التجمع الاستيطاني الصهيوني، ولما أوقعته بأحياء تل أبيب المجاورة خلال شهور المقاومة الخمسة التي انتهت باحتلالها. لكل ذلك متفاعلاً لقيت من التدمير والتخريب والإفساد المتعمد ما يفوق ما لقيته بقية نواحي الأرض المحتلة سنة 1948، كما أخضع مواطنوها لتدمير متعمد لمجتمعهم، وتشويه مبرمج لثقافتهم، وتغييب مقصود لوعيهم. ومن هنا تأتي أهمية الإجماع على التقاء الآلاف فيها لإحياء يوم الأرض لإنعاش ذاكرتها الوطنية واستعادة الوعي بتاريخها. وفي هذا دلالة التحول الكيفي في وعي وقدرات مواطني الأرض العربية المحتلة سنة 1948، وتحولهم إلى قوة فاعلة وجودها في حد ذاته أبرز عوامل القلق على حاضر ومستقبل الكيان الصهيوني، كما عبر عن ذلك المشاركون في مؤتمر هرتسليا الأخير.

وإحياء يوم الأرض في يافا، حين ينظر إليه مع دور الشيخ رائد صلاح بقيادة التصدي لأي مساس بأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ومأثرة المطران عطا الله حنا في الدفاع عن أملاك الكنيسة الأرثوذكسية في القدس، يدرك مدى التفريط الذي انطوى عليه كل من اتفاق أوسلو والمبادرة العربية، إذ تجاهلا وجود وحقوق مليون وربع المليون مواطن عربي، كانوا، ومازالوا، الحراس الأمينين على مقدسات الأمة وحقوقها المشروعة في ترابها المغتصب.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

إصابة بن غفير بحادث سير

إصابة بن غفير بحادث سير

القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام أصيب وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير، اليوم الجمعة، إثر تعرضه لحادث سير....

45 ألف مُصلٍّ يؤدون الجمعة في الأقصى

45 ألف مُصلٍّ يؤدون الجمعة في الأقصى

القدس المحتلة - المركز الفلسطيني للإعلامأدى 45 ألف مواطن صلاة الجمعة اليوم في المسجد الأقصى المبارك، في حين منعت قوات الاحتلال، العشرات من الشبان...