الجمعة 19/أبريل/2024

الصهيونية ويهود أميركا

الصهيونية ويهود أميركا
صحيفة الاتحاد الإماراتية
 

في مقال بعنوان “الاتجاه هو الدياسبورا والمنفى” نشر في الطبعة الإلكترونية لمجلة “جيروزاليم ريبورت. كوم” (25 فبراير 2002)، تشير الكاتبة “دراين جاميك” إلى مقال نشر في “بوسطن جلوب” الأميركية بقلم كاتب يُدعى “تاي” يقول فيه: “ثمة حقيقة يهودية إيجابية جديدة، وهي أن عشرات الجماعات اليهودية في العالم تمارس نهضة دينية وثقافية”. ولكن ما هي هذه “النهضة”؟ يخبرنا الكاتب أن دعوة “العام القادم في أورشليم”، قد أصبحت صورة مجازية قديمة لا تصلح للعصر الحديث، فإسرائيل -حسبما يقول الكاتب- لم تعد الوطن القومي لليهود، بل هي مجرد وطن لليهود مثل أوطان كثيرة أخرى، يقيم فيها اليهود ولا ينوون مغادرتها. ولم يعد من الممكن تصور أن الدياسبورا محطة مؤقتة “كما يتصور الصهاينة” في الطريق إلى إسرائيل، فالاتجاه هو الدياسبروا. “ولذا يمكن تصحيح الدعاء والقول بأنه أصبح بالنسبة ليهود أميركا على الأقل “العام القادم في صهيون العلمانية”، التي كان المهاجرون من يهود اليديشية يسمونها الجولدن مدينا”، أي المدينة الذهبية حيث الشوارع من فضة والأرصفة من ذهب”.

وقد كتب “إبراهام تيروش” مقالاً في غاية الأهمية، مدعّماً بالإحصائيات بعنوان “تبدد قوة جذب إسرائيل ليهود المنفى رؤيا الآخرة” (معاريف 28 فبراير 2008). يشير “تيروش” في مقاله إلى خبرين يسببان قلقاً للمؤسسة الصهيونية، أولهما: أن يهود الشتات لا يهاجرون إلى إسرائيل، والثاني أن ما يسمى الشعب اليهودي، يفقد أكثر فأكثر أجزاء واسعة منهم. أحد الخبرين قال، حسب معطيات مكتب الإحصاء المركزي، إنه في عام 2007، وصل إلى إسرائيل 18.129 مهاجراً فقط- وهو العدد الأدنى منذ العام 1988. أما الآخر، فيشير إلى مبادرة متبلورة في مكتب رئيس الوزراء لتعزيز صلة وعلاقة يهود العالم مع إسرائيل، ولكنها أفادت بالمعطيات التالية: 70 في المائة من يهود الولايات المتحدة لم يكونوا أبداً في إسرائيل ولا يعتزمون زيارتها، 50 في المائة من يهود الولايات المتحدة متزوجون زواجاً مختلطاً، 50 في المائة من الشباب اليهودي هناك لا يهمهم إذا اختفت إسرائيل عن الوجود، وفقط أقل من 20 في المائة من يهود رابطة الشعوب يتعرضون لمضامين يهودية.

ثم يستمر الكاتب في شرح هذا الوضع، وبدلاً من وضعه في إطار “التاريخ اليهودي” وما شابه من ترهات، فإنه يتعامل مع هجرة أعضاء الجماعات اليهودية على أنها هجرة إنسانية عادية، يجب دراستها في إطار أسباب الطرد والجذب، وليس في إطار التطلع الأبدي اليهودي للهجرة إلى الوطن القومي أو أرض الميعاد… إلخ، فيقول: “من الصعب على المرء أن يكون متفائلاً في موضوع الهجرة. مسلمة لها إسناد تاريخي ثابت، هي أن معظم الهجرات إلى أرض إسرائيل، من نهاية القرن التاسع عشر، جاءت إلى هنا (أي فلسطين المحتلة) أساساً بسبب دوافع سلبية في المنفى: اضطهادات، معاداة السامية، الحروب، الوضع الاقتصادي الصعب، وبقدر أقل بكثير بسبب قوة جذب البلاد. ولكن حتى بعد أن نشأت حالات الضائقة والخطر تلك، فإنهم لم يوجهوا خطاهم إلى بلاد صهيون والقدس، التي صلوا إليها وتاقوا زعماً طوال أيام حياتهم. فقد فضلت الأغلبية الهجرة إلى بلدان أخرى.

“قوة الجذب الهزيلة لإسرائيل، البلاد وبعد ذلك الدولة، لم تقف إلى جانبها لاجتذاب الأغلبية إلى هنا. النماذج لا تنقص، من عهود الهجرة الثانية وحتى عهدنا الحالي، وفقط من أنقذته دولة إسرائيل من بلدان الضائقة وجلبته إلى هنا، ولم يكن في يديه وسائل للسفر إلى مكان آخر، هاجر إلى البلاد.

واليوم، تآكلت قوة الجذب أكثر فأكثر. الولايات المتحدة، وعلى ما يبدو أيضاً، لن تكون طاقة كامنة لهجرة كبرى (فقط نحو 2.600 هاجروا من هناك في العام 2007)، ولا أي دولة غربية أخرى. ولكن يهود الاتحاد السوفييتي سابقاً، والذين اعتبروا كمصدر كامن كبير للتعزيز الديموغرافي، كفُّوا عن الهجرة. هذا المصدر الكامن استنفد. فقط نحو 6.600 من كل هذه البلدان هاجروا في العام 2007″.

ثم يتساءل الكاتب عن السبب، فيذهب إلى أن “الوضع الاقتصادي في معظمه تحسن، صلة اليهود الذين بقوا هناك بإسرائيل وباليهودية واهنة، هذا إذا كانت موجودة أصلاً، محافل يهودية عالمية ذات وسائل تعمل هناك لتثبيت الجماعات اليهودية (في أوطانها)، وليس لتشجيع الهجرة، وقوة جذب إسرائيل ليست فقط تبددت تماماً، بل إنها تعتبر اليوم دولة من الخطر العيش فيها ووجودها موضع شك. وهي تخيف اليهود أكثر بكثير من اللاسامية في دولهم (هذا صحيح أيضاً بالنسبة لبعض الدول في الغرب).

إسرائيل ترى نفسها، منذ قيامها، كفيلة لسلامة وأمن يهود المنفى. بلاد لجوء لحين الضائقة. اليوم انقلبت الأمور رأساً على عقب. الكثير من اليهود في الولايات المتحدة يعتقدون، كما شهد على ذلك على مسمعي واحد منهم، فإن إسرائيل تحتاج للمنفى لا العكس. ليس فقط لغرض الدعم السياسي، المالي والمعنوي، بل كمكان لجوء، إذا ما حلت بها كارثة”.

(وهذه إشارة لموضوع نهاية إسرائيل، المسكوت عنه في الخطاب السياسي الإسرائيلي).

ليس لطيفاً سماع ذلك، ولكن هذا يعبر بوضوح عن الإشكالية، وعن الحاجز في الطريق لجلب مهاجرين إلى إسرائيل. وحتى تعزيز الجامعات اليهودية وعلاقاتها مع إسرائيل، الأمر الذي من السليم عمله، لن يولد هجرة كبرى، ولا حتى تعليم يهودي، طالما لم تتغير الظروف في المنطقة وإسرائيل تسكن بأمان حرة من التهديدات ومن الحروب. ولكن هذا يكاد يكون رؤيا الآخرة.

“سيقول الساخرون إن تعزيز الجماعات اليهودية في الشتات يهدف إلى إنقاذنا أكثر مما يهدف إلى إنقاذها، فهي ملجأنا ليوم بارد (مقبل). فمن دون يهود الشتات نحن في مشكلة عسيرة”. وفي محاولة لتفسير هذه الظاهرة يقول التقرير، حسب ما جاء في الموقع الإلكتروني forward.com، إن السبب هو تصاعد معدلات الزواج المختلط. ثم فتح الموقع الإلكتروني الباب أمام الشباب للرد، وقد وافق على هذا التشخيص العديد منهم، أي أنهم يرون أن السبب في ازدياد ابتعاد الشباب من أعضاء الجماعات اليهودية عن إسرائيل هو الزواج المختلط باعتبار أن أولاد مثل هذه الزيجات لا علاقة لهم بما يسمى “الهوية اليهودية”. وهذا أمر متوقع، ففي أي مجتمع يجد أبناء الزيجات المختلطة أنه من الطبيعي أن يتبنوا هوية غالبية المجتمع.

ولكن آخرين يقولون إن القضية هي فقدان يهود أميركا إحساسهم بأنهم شعب. “فيهود أميركا لا يرون أنفسهم جزءاً من أمة قديمة، ويعرّفون يهوديتهم كما يعرّفها الأميركيون باعتبارها ديانة وحسب… وهذا الاتجاه لا يمكن العودة عنه لأن تبني اليهود للهوية الأميركية هو جوهر قصة النجاح اليهودية في الولايات المتحدة… إن الأميركيين يرون إسرائيل باعتبارها بلداً أجنبياً، وهذه هي ذاتها نظرة يهود الولايات المتحدة لها.

ولكن أهم الخطابات -في تصوري- خطاب ديفيد نيلسون (وهو من الواضح شاب يهودي) فهو يذكر الحقيقة كاملة ويعبّر عن المسكوت عنه. يتساءل نيلسون: “هل استطلاع الرأي الذي قام به ستيفن كوهين فكّر في أن ضعف ارتباط “الشباب اليهودي بالدولة الصهيونية” له علاقة ما بسلوك إسرائيل منذ عام 1967 وليس بالزواج المختلط؟”

إن أصحاب الميديا الأساسية يبذلون قصارى جهدهم ليحسنوا صورة إسرائيل الإعلامية بالنسبة للأميركيين. ولكن الأمر يبدو متعلقاً بـ”يوتوبيا” هرتزل (أي الدولة الصهيونية) بترسانة الأسلحة النووية التي ترفض الإفصاح عنها، ومستوطنيها المتعصبين الذين يمرحون ويلهون بجوار حمامات سباحة (في مستوطنات) بُنيَت على أرض عربية، مستوطنات تقع على طرق بنيت خصيصاً للمستوطنين ومقصورة عليهم وأسوار ضخمة تمتد كالثعبان… فتقسم القرى الفلسطينية إلى نصفين، وهناك فقر الصبية اليهود الشرقيين، ورجال السياسة الفاسدون، وإعطاء مكانة سامية لأفيجدور ليبرمان (العنصري المجنون). والله أعلم.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات