الجمعة 26/أبريل/2024

وللصهاينة أيضاً مأزقهم

وللصهاينة أيضاً مأزقهم
صحيفة الخليج الإماراتية
 
إذا كان من الواضح أن المشروع الوطني الفلسطيني يواجه مأزقا بعد ستين عاما من النكبة، فإنه من الواضح أيضا أن المشروع الصهيوني يواجه بعد ستين عاما من قيام كيانه مأزقا أخطر، ذلك ببساطة لأن المأزق الفلسطيني، بالرغم من كل شيء، مفتوح على المستقبل وإمكانياته الإيجابية بينما المأزق الصهيوني مفتوح على الماضي واحتمالات المستقبل السلبية، سواء اعتمدنا على المعطيات الراهنة أو على اعترافات وتقديرات أهله.

لقد قام الكيان الصهيوني بالقوة واستمر مستندا إليها في كل مراحل وجوده، وبالرغم مما كشفته الأيام والحروب التي شنها وخاضها هذا الكيان من أن للقوة مهما علت حدوداً، لم تتغير العقلية الصهيونية إلى اليوم، وهذا هو بالتحديد مأزق هذا الكيان. ولعل الجمود في العقلية الصهيونية أمر حتمي، لأنه نابع من معرفة القيادات الصهيونية أن ما قام على القوة لا يستمر بغير القوة، حتى وإن كان سينتهي أيضا بالقوة.

من المعروف أن حرب يونيو/حزيران 1967 لم تحمل للكيان الصهيوني نصرا كبيرا ساحقا وحسب، بل حملت لقادته شعورا قويا بالتفوق والقوة جعلهم يصدقون أنه أصبح لديهم قوة ردع ستكفيهم شر خوض حروب جديدة. لكن اندلاع حرب 1973 ونتائجها الأولى أصابتهم بالصدمة وشككتهم في حقيقة ما يمتلكون من قوة، كما أن نهاية العدوان على لبنان العام 1982 جعلتهم يفكرون بحدود بل بجدوى القوة المنتصرة. أما العدوان الثاني على لبنان صيف 2006 فكان الزلزال الذي أسقط رؤوساً ونظريات ومؤسسات، والذي لم تنته هزاته الارتدادية حتى اليوم. مع ذلك ما زالت العقلية الصهيونية لا تبارح مكانها، ولا يبدو أنها تريد مبارحته.

ففي مقابلة أجرتها معه صحيفة “يديعوت أحرونوت” أوائل مايو/أيار الجاري، قال وزير الحرب الصهيوني إيهود باراك: “على “إسرائيل” الامتناع عن خوض حروب، أو على الأقل إرجاؤها إذا أمكن”، مضيفا: ““إسرائيل” هي الدولة الأقوى في المنطقة كلها، وستبقى كذلك على المدى المنظور، لكن عليها أن تستخدم قوتها بعقلانية، فالحرب ليست نزهة”. ومن يقرأ العبارات السابقة يظن أن الجنرال “المثقف”، كما تحاول وسائل الإعلام “الإسرائيلية” تصويره دائما، قد تعلم من دروس الحروب السابقة وحفظ، على الأقل، بعض دروس حرب تموز الأخيرة. لكنه سرعان ما يخيب ظنه، حيث يضيف قائلا: “أما إذا فرضت علينا الحرب، فيجب أن نكون جاهزين لها، وأن ننتصر بسرعة، على أن يكون ذلك على أرض العدو، ومن دون إلحاق ضرر بجبهتنا الداخلية”! هنا تنكشف العقلية الصهيونية التقليدية، من خلال تمسكها بنظريتها التقليدية في الحرب والتي سقطت في لبنان، وهو ما يكشف بدوره أن الجنرال المثقف لم يتعلم ولم يحفظ شيئاً! وتأكيدا على أن القوة دائما هي الحل، وعملا بمقولة أحد أسلافه، الجنرال “الغائب” إرييل شارون، القائلة “ما لا يتحقق بالقوة يتحقق بمزيد من القوة”، يرد باراك على سؤال حول أعمال المقاومة الفلسطينية ضد المستوطنات من قطاع غزة قائلا: “في نهاية المطاف، لا أعتقد أن بالإمكان التوصل إلى حل من دون عبور طريق تفعيل القوة”!

إن قادة الكيان الصهيوني لم يضعوا قانون بقائهم فقط بل وضعوا أيضا قانون فنائهم، وهو قانون واحد في الحالتين يقوم على القوة، والقوة وحدها. وربما أهم نتائج هذا القانون أنهم يجبرون خصومهم على اتباع قانونهم في الدفاع عن أنفسهم، وهو ما أصبح يراه بعض “الإسرائيليين” مقتل الكيان، بل ومقتل اليهود أيضا.

تحت عنوان (القوة وحدها هي الحل: هل أخطأنا على مدى التاريخ؟)، نشرت صحيفة (معاريف- 5/5/2008) مقالا بقلم كوبي بيف جاء فيه قوله: “هذه الأيام، بين يوم الكارثة ويوم الاستقلال، هي الوقت المناسب للتخلص من كليشيهات_ من الكارثة إلى الانبعاث_ والتفكير بقدر أعمق في دروس الكارثة حيال الخيار الصهيوني الذي يعرض علينا في هذا الموسم بصفته الحل الوحيد”. وبعد أن يأتي الكاتب على بعض الصفات العنصرية للصهيونية (مثل وباء كراهية الأجانب)، وكذلك الدعوة لهجرة يهود العالم وتجميعهم في مكان واحد، والتشجيع على الحروب، يضيف: “منذ أكثر من ستين عاما يكرر لنا ممثلو الصهيونية: أن الطريق الوحيد لمنع تكرار الكارثة هو القوة…”، مشيرا إلى أن هذا “الحل الصهيوني ليس فقط لم ينجح بل فشل فشلا ذريعا”، وموضحا أنه “إذا كانت الحقيقة بعد ستين عاما من الاستقلال اليهودي وحيث تتوفر لنا القوة العسكرية الكبرى الممكنة، القوة التي تسمح لنا بأن نبيد بكلتا يدينا شعوبا وبلدانا، فإننا نبقى نحن، مثلما نكرر القول، أمام خطر حقيقي للإبادة الجماعية. فماذا أفادنا الحكماء بطرحهم الصهيوني؟ ألا يحتمل أن يكون هذا التفكير الصهيوني عن القوة هو بالذات الصيغة للمصيبة؟”!

ذلك هو مأزق الصهاينة وكيانهم، جاء من طبيعة فكرهم العنصري المملوء بالكراهية والمعادي لكل القيم الإنسانية، ومن طبيعة كيانهم الاستيطاني القائم على القوة، حتى وصل بهم الأمر إلى تجاهل القوانين، ليس فقط البشرية بل وكذلك القوانين الطبيعية.

إنهم يتجاهلون أن أية قوة قد تحرز النصر مرة أو مرتين، لكنها لن تحرز النصر إلى ما لا نهاية. إنهم يتجاهلون التاريخ، ويتناسون أن موازين القوى تتغير، وأن الإمبراطوريات العظمى قد اندثرت بعد حين. والأهم من ذلك كله أن الحق لا يضيع، وأن تجاهل هذا الحق استعداء لأصحابه، والعيش في وسط معاد انتحار مجاني. فهل هناك مأزق أكبر من هذا المأزق؟

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة

الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة

الضفة الغربية - المركز الفلسطيني للإعلام اعتقلت قوات الاحتلال الصهيوني - فجر الجمعة- عددًا من المواطنين خلال حملة دهم نفذتها في أرجاء متفرقة من...