السبت 27/أبريل/2024

المجتمع الدولي وبداية النهاية

المجتمع الدولي وبداية النهاية

صحيفة الخليج الإماراتية

قالها هوبير فدرين وزير الخارجية الفرنسي السابق في نقاش إلكتروني مع قراء صحيفة “لوموند” الفرنسية في 23/5/2008 “..إن ما يسمى المجتمع الدولي هو في الواقع الدول الغربية و”إسرائيل””.

وأضاف “علينا إذاً أن نسمي الأشياء بأسمائها، وأن ندرك أن هناك خمسة مليارات شخص لا ينتمون لتلك الدول، وهم يرفضون أن يظل الغرب يتحدث باسم العالم، قبل ثلاث سنوات كتبت في هذه الصحيفة مقالاً بعنوان: “المجتمع الدولي خدعة تنطوي على العرب وحدهم”، وفيه استنتاج يذهب في الاتجاه نفسه، بيد أن كثيرين في حينه، أصدقاء ومعارف ومجهولين، اعتبروا أنني أضخم القول، وأن إنكاري لصفة المجتمع الدولي التمثيلي (مجلس الأمن والأمم المتحدة والمنظمات الدولية المتفرعة منها) يقرر فيه الجميع للجميع، لا يلغي واقعاً قائماً.

لكن لماذا تأخر سياسي غربي مرموق في الإعلان عن هذه الحقيقة؟ ولماذا يصر زملاؤه الغربيون على حجبها؟ ربما لأن “المجتمع الدولي” تلقى خلال حرب العراق ضربة قاصمة أتاحت تظهيره على هيأته الصحيحة. إذ لم يسبق منذ الحرب العالمية الثانية أن همشته الدولة الأعظم في العالم إلى حد أن سفيرها السابق في مجلس الأمن جون بولتون تحدث ساخراً عن وجوب هدم عشر طبقات من مبنى المجلس، وزاد أحد أركان المحافظين الأمريكيين الجدد بالقول “لا نفع منه إن لم يخدم مصالح الولايات المتحدة”. ما يعني أن مصالح العالم المشتركة بملياراته الخمسة ليست علة وجود المجلس وإنما مصالح واشنطن أولاً، ومن ثم حلفائها الغربيين. أضف إلى ذلك أن الغربيين ما عادوا قادرين على ضبط إيقاع العالم وفق ما يشتهون، وهذا الضعف يتسلل إلى قوى ممانعة في أرجاء العالم.

لقد لاحظنا ذلك بوضوح في مؤتمر دوربان الشهير في جنوب إفريقيا ونلاحظه دورياً على هامش اجتماعات الدول الأكثر تصنيعاً في العالم، وفي المنتديات الدولية، ناهيك عن التغيرات الأساسية التي تقع هنا وهناك على الضد من مصالح الغربيين، ولعل أبرزها تلك الموجة العارمة التي تحمل إلى الحكم رؤساء متمردين على واشنطن في أمريكا اللاتينية، هذا حتى لا نذكر الانبثاق الاقتصادي الصيني المدوي من دون الالتزام بقواعد الغرب الديمقراطية والخروج الروسي السافر على تلك القواعد… الخ.

بالمقابل صارت هشاشة المجتمع الدولي وفئويته ماثلة أكثر في عقول النخب التي لا تعيش في الغرب، والتي ما عادت ترغب في أن يتحدث الغربيون باسمها في معرض الدفاع عن مصالحهم، ولعل هذه الرغبة باتت حاضرة بقوة في عدد من الأزمات وآخرها النزاع اللبناني بين الموالاة والمعارضة. والملفت في هذا المثال أن الخروج من الأزمة اللبنانية قد تم في الدوحة وبتدبير من قيادة بارعة، في حين فشلت وساطات فرنسية وأوروبية ملحة من قبل، ولعل مشهد انتخاب الرئيس اللبناني ميشال سليمان في مجلس النواب يعبر عن الحال بصدق، حيث بدا أمير قطر ورئيس وزرائها نجمي الحفل بلا منازع، فيما احتل وزير الخارجية الفرنسي برنارد كوشنير وزميله الإسباني موراتينوس والمفوض الأوروبي خافيير سولانا ووفد مجلس الشيوخ الأمريكي مقاعد المشاهدين، ومن لبنان أيضاً تتردد أصداء جدية عن أن قوات الأمم المتحدة المتمركزة في جنوب لبنان والتي تعبر عن إرادة “المجتمع الدولي”، هذه القوات تبحث عن الحماية من الطرف الذي من المفترض أنها جاءت لتطويعه.

وفي حين كان لبنان يقدم مشهداً مخالفاً لإرادة “المجتمع الدولي”، كان الرئيس المصري حسني مبارك يقاطع كلمة للرئيس جورج بوش في منتدى شرم الشيخ على سبيل المعاملة بالمثل، وهذا الموقف لم يكن بوسع أحد توقعه قبل سنوات قليلة. وعلى مقربة من مصر كانت، ومازالت، إيران تهمل وجود أساطيل الولايات المتحدة وحلفائها على مرمى حجر من شواطئها، وتصر على مواصلة برنامجها النووي وعلى سياستها الخارجية المشفوعة بشعار “الموت لأمريكا.. الموت ل “إسرائيل”” ناهيك عن تجرؤها العام الفائت على احتجاز جنود بريطانيين بطريقة مهينة لا مثيل لها بالنسبة لقوة عظمى من قبل.

وإذ يضع هوبير فيدرين عن حق “إسرائيل” في خانة البلدان الغربية المنضوية تحت راية ما يسمى “المجتمع الدولي”، فإن ضعفها في مواجهة محيطها يشبه ضعفه، وهو ما نلمسه في الضعف المتواصل في قوتها الردعية في فلسطين ولبنان، وفي اضطرارها لخوض مفاوضات متعجلة مع سوريا حول الجولان المحتل، وفي قلقها الوجودي غير المسبوق والذي انعكس مؤخراً في مناورات عسكرية لا سابق لها في تاريخ هذا الكيان.

موجز القول إن عجز “المجتمع الدولي” عن فرض مصالح الغرب، بوصفها مصالح كل العالم، يملي على المتضررين من الغرب إدراك لحظة الضعف هذه والعمل في ضوئها على تظهير خطاب دولي مختلف، ينهض على مبدأ التعددية وتنوع المصالح والمعتقدات والاعتراف المتبادل بإسهام الحضارات، كل الحضارات، في تقدم البشرية ونموها. ولعل العرب في هذه اللحظة يخرجون من قاعة الانتظار التي طال مكوثهم فيها ويمسكون زمام مصيرهم بأيديهم ويبحثون عن مصير مختلف في عالم مختلف. لعلهم يدركون أن عالمهم الذي رسمه في لحظة تاريخية سابقة السير سايكس والمسيو بيكو ما عاد مرشحاً للبقاء، أقله في المدى المتوسط وأن عليهم أن يرسموا لأنفسهم ما يشتهون، هذا إذا أرادوا الحضور في متن التاريخ، وليس في أحد هوامشه التافهة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات