الجمعة 19/أبريل/2024

ذكرى النكبة أم نكبة الواقع العربي؟!

ذكرى النكبة أم نكبة الواقع العربي؟!

تستقبل الساحة العربية في الخامس عشر من مايو الذكرى الأليمة الثالثة والستين لنكبة فلسطين والأمة العربية، ولكن النكبة الحقيقية التي نعيشها اليوم ليست قضية احتلال فلسطين فحسب بل هي نكبة الإرادة العربية وجمود الواقع العربي الذي أصبح يتردى من سيء إلى أسوأ، ومع النكبات والنكسات والجرائم الصهيونية المتلاحقة لم تستطع الإرادة العربية الاستفاقة من سباتها المزمن، ولم يرق الواقع العربي إلى مستوى الطموح الذي تنشده الأمة، فتوالت الضربات وتمادت الوحشية الصهيونية وتجاوزت المدى وكل الخطوط الحمراء معلنة تجردها من كافة القوانين وجميع الأعراف والقيم الإنسانية، فمن لبنان إلى الضفة إلى القطاع والمجازر الصهيونية تمضي دون هوادة، وممارساتها السادية تمضي على مجرى التاريخ، بل إن العدو الصهيوني اليوم يحظر على الشعب الفلسطيني إحياء ذكرى النكبة ويحضرني هنا قول الشاعر نزار قباني:

يا من يعاتب مذبوحاً على دمه ونزف شريانه ما أسهل العتبا.

لقد فقدت العروبة صولتها، وفقدت الإنسانية مبادئها بين الأشلاء والدماء واستباح العدو الغاشم المزيد من الحقوق، وعلى مسمع ومرأى النظام العربي لما يحدث، فمنذ بداية النكبة كانت المجازر بحق أبناء الشعب الفلسطيني، وتمادى بني صهيون في بربريتهم فعاثوا في فلسطين الفساد فأحرقوا الأرض وقتلوا الأطفال والنساء في وحشية لم يسبق لها مثيل، وما حدث في قطاع غزة كان شاهداً حياً على تلك الممارسات الآثمة، واليوم تأتي الذكرى الثالثة والستون للنكبة العربية وما تحمله من مواقف وذكريات أليمة مرت على الشعب الفلسطيني منذ ذلك التاريخ حيث تجرع خلاله هذا الشعب ويلات الأسر والتهجير والتعذيب والقتل والقصف المستمر والدمار الذي لحق بالبنية التحتية الفلسطينية من قبل جنرالات الحرب الصهاينة وجنود حماة الهيكل، والاغتيالات المبرمجة والحصار والتجويع وإغلاق المنافذ واقتلاع الأشجار، وجميع مظاهر الفساد والإفساد الهمجية وصولاً إلى تهويد مدينة السلام وزهرة المدائن القدس الشريف، والكثير من مفردات البغي والجبروت الإسرائيلية التي لم ترحم طفلاً أو شيخاً مسناً أو مريضاً، فحاق بشعب فلسطين الويلات والدمار والحروب المستمرة وأشد أنواع البلاء بل تجرع السم الزعاف ظلماً وعدواناً.

كل ذلك يحدث في ظل النظام الدولي الذي يسوده القهر وظلم الشعوب ويبرز فيه مفهوم الغالب والمغلوب، ولم تراع فيه الحقوق الإنسانية ولم تتوخ فيه الأمانة السماوية الموسومة بخلافة الأرض، لذلك قام نظام العالم اليوم لقهر الشعوب مع أنه جاء ضمن أسس ومواثيق دولية لكنها للأسف لم تستطع تحقيق العدالة للجميع واعتمدت فيها المعايير المزدوجة، فأدى ذلك إلى نتائج كارثية وخيمة على الإنسانية فمن الفقر والأمراض إلى الحروب والاستعمار واستغلال ثروات الشعوب وصولاً إلى كوارث متفاقمة.

ونكبة فلسطين هي بلا شك هي أحد إفرازات ذلك النظام وإحدى تلك الأزمات والنكبات التي تسجل للتاريخ سقوط النظام الدولي المعاصر المعتمد على واقع القوة والهيمنة، كما تسجل سابقة خطيرة للنظام الدولي واختراقاً فاضحاً لمفهوم النظام نفسه ومعناه الحقيقي، فقد أعطى من لا وطن لهم أرضاً كان يعيش عليها شعب آخر منذ آلاف السنين فأضفى عليها شرعية ناقصة منقوصة لا تستند إلى أية حقوق أو وثائق تاريخية أو أعراف دولية متعارف عليها، وذلك بمساندة قوى استعمارية غاصبة أسست لنظام موجه للسيطرة على العالم.

لكن المؤلم والمؤسف كثيراً ما يقابل ذلك من واقعية السلام والاستسلام لدى أبناء مضر وعدنان الذين يقدمون المبادرات وبني صهيون يعصفون بها. أما آن للعرب أن يعلنوها صريحة ضاربة في صميم الواقع والإرادة العربية أما آن للعرب من وقفة لتقييم حالتهم الراهنة، أما آن للعرب أن يستغفروا التاريخ أما آن لهم ينتفضوا على هذا الواقع المخزي، فالمبادرات أحرقها العدو بالفسفور الأبيض والمفاوضات ليست إلا لالتهام المزيد من الحقوق فالسلام يحتاج إلى قوى ضاغطة وأوراق رابحة، أما أن تسير القافلة على نفس النمط فذلك سوف يقضي على كامل فلسطين بل قد يتعداها ليطول غيرها.

إن الأمة العربية والإسلامية اليوم في عالم تسوده التكتلات الدولية ويعتمد على الاقتصاد المتلازم مع العلم والتي تشكل عوامل النهوض لدى الأمم في وقت نتخلف فيه نحن العرب والمسلمين عن ركب الحضارات بعدما ساهم العلماء العرب والمسلمون في وضع الأساس لقيام الكثير من الحضارات البشرية السالفة، لذا فالعرب بحاجة ماسة إلى استشعار تلك الدروس والعبر التي لا بد أن تجمعهم على كلمة سواء في ميادين العلم والسياسة والاقتصاد مع وجود ماض عريق وتاريخ زاهر من الحضارة الإسلامية الرائدة التي تألقت بأخلاق جوهرية سامية نشرت السلام والوئام والعدل ونالت شرف الرسالة السماوية الخالدة وأوجدت الأساس المتين القويم لعمارة الأرض وخلافتها، فلا بد أن نستلهم مميزات تلك الحضارة الإسلامية البيضاء التي لم ولن تقوم أمة أو حضارة إنسانية على وجه الأرض دونها ودون استشراف نمطها الفريد وذلك لصون الكرامة الإنسانية وتحقيق تلك المفاهيم الرحبة والمآرب الخلاقة لشمولية نظام كوني جديد تسوده مفردات إنسانية سمحاء تقوم على المبادئ والقيم لتحقيق العدالة الكونية للإنسانية جمعاء.

كاتب عماني

[email protected]

صحيفة الوطن العمانية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات