عاجل

الثلاثاء 23/أبريل/2024

مجزرة (قبية)

مجزرة (قبية)

بعد احتلال التنظيمات العسكرية الصهيونية (الهاغاناة، وإتل، وليحي) معظم أراضي فلسطين عام 1948م وإقامة الدولة الصهيونية (إسرائيل) أصبح ما تبقي في جنوب فلسطين (قطاع غزة) تحت الحكم العسكري المصري، أصبح ما تبقى من فلسطين شرقا (الضفة الغربية بما فيها الجزء الشرقي من القدس) تحت الحكم العسكري الأردني، ثم أعلنت الأردن عن ضمها ذلك الجزء للملكة وكأنها منطقة أردنية أصلاً (!).

انطلق فدائيون من قطاع غزة، ومن الضفة الغربية، إلى المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1948م، ونفذوا عدداً من العمليات الفدائية، الأمر الذي أزعج القادة الصهاينة وجعل القيادة العسكرية تشكل وحدة خاصة لمكافحة (الإرهاب) كانت بقيادة اريئيل شارون، وحملت اسم … وادعت (إسرائيل) أنها ستكافح (الإرهاب) تمنع هجمات الفدائيين، وحقيقة الأمر أنها كانت مدفوعة بعقيدة الإبادة للشعب الفلسطيني والسيطرة على المزيد من الأراضي وتشريد أهل البلاد الأصليين وإحلال الصهاينة مكانهم.

وفي ليلة 14-15 تشرين أول (أكتوبر) عام 1953م نفذ الجيش الإسرائيلي مجزرة ضد قرية (قبية) العربية والتي تقع على بعد 22 كليومتر، شمال شرق القدس و44 كيلومتر غرب رام الله وعلى بعد كيلومترين من خط الهدنة الأردنية الإسرائيلية، وكان سكانها يومئذ نحو ألفي نسمة جميعهم من العرب.

وفي تلك الليلة، وحوالي الساعة السابعة والنصف مساء، 14 تشرين أول (أكتوبر)، تحركت قوة عسكرية قدرت بحوالي 600 جندي نحو قرية (قبية) وطوقتها وعزلتها عن جميع القرى المحيطة.

وبعد ذلك بدأ قصف مدفعي مركز وكثيف على مساكن القرية، دون تمييز، وفي الوقت ذاته تحركت قوة إسرائيلية إلى القرى المجاورة (شقبا، وبدرس، ونعلين) لمشاغلتها ومنع وصول نجدات لقبية منها.

دخلت بعد القصف المدفعي قوات المشاة القرية وأطلقت النار في كل اتجاه فتصدى لها السكان ورجال الحرس الوطني الأردني بقيادة النقيب محمود عبد العزيز، رغم قلة عددهم وأسلحتهم وقاوموا الهجمة الصهيونية حتى نفذت ذخائرهم واستشهد معظمهم، ووصلت نجدة من الحرس الأردني إلى (بدرس) واشتبكت مع القوة العسكرية الإسرائيلية التي كانت تشاغل قرية (بدرس) ولم تتمكن من الوصول إلى (قبية).

في الوقت ذاته كانت وحدات الهندسة العسكرية الإسرائيلية تزرع المتفجرات حول بعض منازل القرية، وتفجرها على رؤوس سكانها، وكانوا يطلقون النار على كل من حاول الهرب، وقد استمرت العملية بهذه الطريقة حتى الساعة الرابعة من صباح اليوم التالي 15/10/1953م، حيث انسحبت القوة الإسرائيلية.

نجم عن تلك المجزرة تدمير (56) منزلاً، ومسجد القرية ومدرستها وخزان المياه الذي يغذيها بالماء، واستشهد 67 من أهلها (رجالاً ونساءً وأطفالاً)، كما سقط عدد كبير من الجرحى، وأبيدت أسر كاملة، منها أسرة عبد المنعم قادوس وعددهم 12 فرداً كما استشهد موسى أبو زيد وأربعة من أفراد أسرته وزوجة محمود إبراهيم وأطفالها الثلاثة وأربعة من أطفال محمد المسلول وغيرهم.

بعد أن نفذ الجيش الإسرائيلي مجزرته، ادعى أن سكان مستوطنة (طيرة يهودا) التي أقيمت على أنقاض قرية (العباسية) هم الذين قاموا بالهجوم انتقاماً لمقتل اثنين من المستوطنين كانا قد قتلا في 11/10/1953م على يد عدد من المتسللين العرب.

لكن الجنرال (فان بينيكه) كبير المراقبين الدوليين أعد تقريراً وقدمه إلى اجتماع مجلس الأمن يوم 27/10/1953م جاء فيه أن الهجوم الإسرائيلي على قبية كان مبيتاً وأن قوات نظامية كانت ترتدي البزات العسكرية هي التي قامت به، وأنه لا صحة للمزاعم الإسرائيلية القائلة إن المستوطنين هم من نفذوا المجزرة.

ورغم انعقاد مجلس الأمن، والاستماع إلى تقرير (بينيكه) إلا انه اكتفى في قراره رقم (101) بتاريخ 24/11/1953م بالقول:” إن العمل (الانتقامي) على قبية الذي قامت به قوات (إسرائيل) المسلحة في 14-15 تشرين أول 1953م، وجميع الأعمال المشابهة تشكل انتهاكاً لنصوص وقف إطلاق النار الصادر بقرار مجلس الأمن رقم 54 عام 1948 وتتناقض مع التزامات الطرفين بموجب اتفاقية الهدنة العامة بين (إسرائيل) والأردن وميثاق الأمم المتحدة”.

وأعرب مجلس الأمن عن أقوى إدانة لهذا العمل الذي لا يمكن إلا أن يحل بفرص التسوية السلمية التي على الطرفين السعي لها وفق الميثاق ويدعو (إسرائيل) إلى اتخاذ إجراءات فعالة لمنع مثل هذه الأعمال في المستقبل.

هذا هو موقف مجلس الأمن من مجزرة كانت عام 1953 يوم كان للعرب حساب، فماذا سيكون موقفه من مجزرة كانت عامي 2008-2009م؟ وماذا سيذكر تقرير غولدستون أكثر من تقرير بينيكه، ما دام الحكم في النهاية واحد، وحكمه (الإدانة)؟

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات