الخميس 28/مارس/2024

ذاكرة النكبة تتناقل بين الأجيال…

ذاكرة النكبة تتناقل بين الأجيال…

صحيفة الدستور الأردنية

وفق جملة لا حصر لها من المعطيات والوثائق الوافرة فقد بات الإسرائيليون اليوم بعد واحد وستين عاماً على النكبة وقيام الدولة الصهيونية يجمعون من أقصى يسارهم إلى أقصى يمينهم على الرفض المطلق حتى لإمكانية مناقشة “حق العودة للاجئين الفلسطينيين” معتبرين أن هذا الحق هو بداية نهاية “إسرائيل” كما عبر عن ذلك وزير حربهم عمير بيرتس حينما أعلن: “أن حق عودة الفلسطينيين إلى ديارهم هو “نهاية الحلم الإسرائيلي ونهاية الدولة العبرية” وأنه “لا يمكن قبول المطالب الفلسطينية بحق العودة” معتبراً أن “ليس ثمة يساري في “إسرائيل” يقبل بمطلب عودة الفلسطينيين”.

في حين يتماسك الفلسطينيون اليوم بالمقابل أكثر من أي وقت مضى على التمسك بالقضية والحقوق وفي مقدمتها حق العودة لملايين اللاجئين المشردين بلا أوطان، معتبرين أن من أهم وأخطر الأسلحة في مواجهة بلدوزر التجريف والتهويد هو سلاح الذاكرة الجمعية للشعب العربي الفلسطيني وللشعوب العربية معاً، لذلك يحرصون على توارث هذه الذاكرة الوطنية على مدار الأجيال على عكس مراهنات المؤسسة الصهيونية المعروفة على فعالية عامل النسيان في طي وتلاشي واضمحلال هذه الذاكرة.

فحسب أحدث تقرير فلسطيني فإن اللاجئين المخضرمين من “كبار السن” “يسابقون الزمن لإيصال ما تبقى لهم من ديارهم المسلوبة حروفا لأبنائهم وأحفادهم”، وذلك “رغم إيمانهم العميق بالعودة حتى لو آخر يوم في العمر، وكما يقول أبو محمد اللفتاوي: “أمي عاشت 107 سنوات ورغم ذلك كانت قبل وفاتها تتصرف كأنها ستعود إلى لفتا يوم غد، كانت تقول لبناتي عندما نعود إلى لفتا ستخرجن إلى بيت أزواجكن من بيت جدكن في وسط البلد”.

والجدة ماتت قبل ثلاث سنوات والحفيدات تزوجن من منزل أبيهن في مخيم قدورة إلا أنهن يحلمن الآن بتزويج بناتهن من منزل جدهن في لفتا، تطبيقاً لوصية الجدة “اللاجئة”.

وكما والدة “أبو محمد” وبناته حكاية آلاف الأمهات والجدات اللواتي يحلمن بالعودة حتى لو كان من خلال الأحفاد: “إذا لم نعد نحن يعود غيرنا، أنا خرجت من عنابا -قضاء الرملة – وسيعود إليها أكثر من ثلاثين حفيداً وحفيدة” قالت أم راتب، الحاجة آمنة والتي استقرت بها رحلة اللجوء في مخيم الأمعري القريب من مدينة البيرة.

فهذه الصورة التلقائية في توريث ذاكرة النكبة استطاعت غرس أيمان جيلين وأكثر عاشوا وتربوا في المخيمات الفلسطينية بعد النكبة، إيمان بحق العودة إلى ديارهم الأم في فلسطين المحتلة عام 48.

كان موشيه ديان قد قال في مقابلة أجرتها معه مجلة “دير شبيغل” الألمانية في تشرين الأول:1971 “في تشرين الثاني عام 1947 رفض العرب قرار التقسيم (الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة) وفي عام 1949 (بعد التوقيع على اتفاقيات الهدنة) عادوا إلى المطالبة بتنفيذه”.

“وفي عام 1955 – والكلام لديان أيضاً نقلاً عن دراسة للدكتور عبدالقادر ياسين – كانت جميع الدول العربية المعنية ترفض اتفاقيات الهدنة، وبعد حرب حزيران 1967 عادوا إلى المطالبة بانسحاب “إسرائيل” إلى حدود الرابع من حزيران”.

“ولن أفاجأ – يؤكد ديان – بعد حرب أخرى تسيطر فيها “إسرائيل” على مناطق عربية جديدة في الأردن أو سوريا إذا ما طالبوا بالعودة إلى الحدود الحالية..”.

في الصميم والجوهر إنما يتحدث ديان عن حالة التفكك والعجز والاستخذاء العربي أولاً ، ثم يتحدث عن ضعف الذاكرة العربية وحالة عدم الاكتراث واللامبالاة من جهة ثانية، بينما يمكننا أن نستشف من أقواله من جهة ثالثة أن الصراع الحقيقي ليس فقط على الأرض المحتلة والمغتصبة وإنما أيضاً على الذاكرة والوعي الجمعي والثوابت القومية العربية.

يعبر الكاتب الفلسطيني علي جرادات تعبيراً عميقاً عن جوهر هذا الصراع حينما يقول: “إن السياسة تستطيع أن تغتصب التاريخ، أما أن تلغيه فلا، وتستطيع أن تسطو على الجغرافيا، أما أن تشطبها فذاك المستحيل بعينه، وتستطيع أن تعبث بالديموغرافيا، أما أن تدثرها فذاك نادراً ما حصل”.

في هذه الأيام.. أيام خيار السلام والتطبيع والتعايش و”رياح التغيير الإيجابي في الشرق الأوسط حسب شمعون بيريز” وأيام “نوافد الفرص السلمية” تمتد وتتسع مساحة عمل البلدوزر بصورة مريحة لتصل إلى ذكرى النكبة.. وذاكرتها.. وإلى الوعي الجمعي القومي العربي.. في محاولة للإجهاز عليها.

ولكن هناك على امتداد مساحة فلسطين ومخيمات اللجوء.. كأن لسان حال كل أهل فلسطين يهتف:

اخرجوا من أرضنا ومن جونا ومن برنا..

فالأرض ليست أرضكم بل الأرض أرضنا..

اخرجوا من أرضنا..”

وكأن لسان حال كل أهل فلسطين يقول:

كم أنت عظيم يا وطني..

كم أنت عظيم بتاريخك وتراثك وتضحيات أبنائك..

فخارطتك الجميلة التي نحفظها عن ظهر قلب تفزع الأعداء..”.

وكأن لسان حال كل فلسطيني على امتداد الوطن يؤكد:

“سأبقى دائما أحفر

جميع فصول مأساتي

وكل مراحل النكبة.. من الحبة.. إلى القبة على زيتونة في ساحة الدار..”

لذلك كله نثبت بالعنوان الكبير العريض: أن الحفاظ على ذكرى النكبة بكافة ملفاتها.. وعلى ذاكرتها لدى الشعب العربي الفلسطيني.. وفي الوعي الجمعي العربي هو بمثابة سلاح التدمير الشامل في مواجهة بلدوزر الاقتلاع والتجريف والإلغاء والنسيان.. والعبث بحقائق التاريخ والجغرافيا والحضارة والتراث…؟

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

عباس يصدق على تشكيلة حكومة محمد مصطفى

عباس يصدق على تشكيلة حكومة محمد مصطفى

رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام صدق رئيس السلطة محمود عباس على منح الثقة لحكومة محمد مصطفى، وسط استمرار تجاهل موقف الفصائل الفلسطينية التي...