الجمعة 29/مارس/2024

أوباما ـ نتانياهو الطريق المسدود

أوباما ـ نتانياهو الطريق المسدود

صحيفة البيان الإماراتية

نقلت الصحف الفرنسية بعناوين بارزة عن الصحف الإسرائيلية ما مفاده إجمالاً أن الرئيس الأميركي الجديد ورئيس وزراء “إسرائيل” قد «اتفقا على أن لا يتفقا». وهذا ما يلخّص الإحساس السائد أيضاً لدى الأوساط السياسية الأوروبية بعد الزيارة التي قام بها نتانياهو إلى واشنطن قبل أيام قليلة.

ومنذ البداية لا ينبغي أن ينسى أحد أن «أمن الدولة العبرية يشكل أحد أولويات السياسة الخارجية الأميركية عامة وحيال منطقة الشرق الأوسط خاصة». كان هذا صحيحاً منذ عام 1948، وهو صحيح اليوم.

مع الإشارة إلى أن التزام الإدارة الأميركية السابقة، إدارة بوش، كان هو الأكثر انحيازاً ل”إسرائيل” بين مختلف الإدارات السابقة منذ عدّة عقود، وحتى أكثر من الفترة الذهبية التي دفع فيها وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر «الصداقة» الأميركية ـ الإسرائيلية إلى أعلى المستويات. وكان وصول أوباما إلى البيت الأبيض بداية عهد جديد وتوجّه جديد في السياسة الخارجية الأميركية.

ولا بدّ من تثبت القول أوّلاً أن هذا التوجّه الجديد لا يعني أي تغيّر في الالتزام الأميركي بأمن “إسرائيل” ولكن يتعلّق برغبة قلب صفحة إدارة بوش نهائياً وأملته أوّلاً وأساساً ضرورات المصالح الأميركية الإستراتيجية.

على ضوء هذه المصالح هناك في الواقع إعادة نظر أميركية للعلاقات مع “إسرائيل” ولتوجهات واشنطن حيال منطقة الشرق الأوسط. ولا بدّ من تثبيت القول مرّة أخرى أن الولايات المتحدة واجهت باستمرار مشكلة التوفيق بين تحالفها «الإستراتيجي» مع “إسرائيل” وبين العلاقات الحسنة مع العالم العربي.

هنا أيضاً كان ذو دلالة واقع أن الرئيس أوباما خصّ الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأحد أوّل اتصالاته الهاتفية في عهد إدارته ولم يستقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إلاّ بعد 119 يوماً من وجوده في البيت الأبيض. وقبل لقائه معه كان قد ضرب «موعداً» مع العالم العربي انطلاقاً من القاهرة عند زيارته المقررة لها في الرابع من يونيو ـ حزيران القادم.

وعلى ضوء ما جرى أثناء لقاء أوباما ـ نتانياهو في واشنطن يمكن القول فعلاً، رغم المصافحات والابتسامات العريضة، أن «اللغة» لم تعد واحدة مثل أيام بوش «الخوالي».

اوباما كان واضحاً في الدعوة إلى «حل الدولتين» ووقف الاستيطان، ونقلت مصادر صحفية أوروبية عن الجنرال جيمس جونس، مستشار الأمن القومي الأميركي، أن الرئيس أوباما يتمنّى التوصل إلى إقامة دولة فلسطينية قبل نهاية فترته الرئاسية الحالية وأنه سوف يكون «أكثر حزماً» حيال “إسرائيل” من الإدارة السابقة. ونتانياهو كان واضحاً في رفضه حتى مجرّد لفظ تعبير «دولة فلسطينية» علناً في واشنطن.

إنه لا يحتمل وقع ما يحتوي عليه مدلول «دولة فلسطينية» فهذا يتنافى مع إرثه التاريخي والإيديولوجي. ولعلّ من سوء حظّه أنه لم يجد في مواجهته، على غرار شارون وأولمرت، محاوراً أميركياً من نوع جورج دبليو بوش، بل كان محاوره السابق هو بيل كلينتون ويجد نفسه بعد 13 عاماً أمام باراك أوباما.

بالطبع لم يكن يريد أي منهما، أوباما ونتانياهو، أن يبدو في موقع من يشوّش على العلاقات «التاريخية» بين العم سام وأحفاد بن غوريون. وبدا بوضوح أن هناك تبايناً واضحاً في وجهات النظر بينهما.

نتانياهو لا يريد أبداً الالتزام بخطة السلام المعروفة باسم «خارطة الطريق»، المعدّة عام 2003 من قبل الولايات المتحدّة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. على العكس أصبحت هذه الخطّة بمثابة الهدف المعلن للرئيس أوباما وللشركاء الأوروبيين وإلى حد كبير للمجموعة الدولية كلّها.

ولا يريد نتانياهو أن يسمع أي حديث عن تقسيم القدس باعتبارها «العاصمة التاريخية» للدولة العبرية، هذا مع التذكير أن القسم الشرقي من المدينة خضع للاحتلال الإسرائيلي في حرب 1967.

بالمقابل من الواضح أن الرئيس اوباما، وعلى عكس الرؤساء الأميركيين السابقين، بدأ مباشرة الاهتمام بملفات الشرق الأوسط، وعلى رأسها مسيرة السلام على أساس أنها المفتاح لمختلف الملفات الأخرى. وبيده العديد من الأوراق الرابحة ليس أقلها أنه محاط بمستشارين كان البعض منهم قد شاركوا في محادثات السلام بعهد كلينتون والتي فشلت «في اللحظة الأخيرة» وهم يريدون النجاح هذه المرّة.

وأيضاً هناك التأييد الذي يحظى فيه أوباما بالكونجرس. ثمّ هناك الهامش الجديد الذي ناله داخل الطائفة اليهودية الأميركية ذاتها عبر تأسيس مجموعة ضغط يسارية «مؤيدة للسلام» معروفة باسم «جي ستريت» والتي خففت من سطوة مجموعة «إيباك» المحافظة المؤيدة ل”إسرائيل” «على طول الخط».

في مثل هذه الشروط يبدو أن لا تفاهم ممكن بين أوباما ونتانياهو، والوقت مناسب أكثر من أي وقت مضى ليلعب العرب ورقتهم على قاعدة المصالح المتبادلة.

وهناك مثل صيني يقول إن الحظ هو أن تستفيد من الريح عندما تهب في اتجاه إرادتك.

كاتب سوري ـ باريس

[email protected]

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات