الجمعة 29/مارس/2024

حل الدولتين وسياسة التهويد

حل الدولتين وسياسة التهويد

صحيفة الاتحاد الإماراتية

نظرياً، حدثت تطورات مهمة تؤشر إلى تحولات في الخطاب السياسي، وربما في مسارات الحلول للقضية الفلسطينية.

فجأة، وبعد تصريحات أثارت ردود فعل في كل العالم، دعا فيها الرئيس الإيراني إلى إزالة الكيان العنصري الإرهابي “إسرائيل” وإعادة الأرض إلى أصحابها الفلسطينيين، أطلق نجاد نفسه منذ أيام موقفاً أكد فيه قبوله بحل يقوم على أساس الدولتين: دولة “إسرائيل”. ودولة للفلسطينيين.

فجأة تعدل الموقف ولم يعد ثمة حديث عن إزالة الكيان العنصري، فله مكان اليوم إلى جانب دولة فلسطين!

وترافق الأمر مع تأكيد أميركي متكرر على حل الدولتين، وتسجيل تطور- في نظر بعض الأميركيين والمراقبين – في موقف رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو الداعي إلى حل على أساس الدولتين. والتطور الأهم في السياق ذاته، هو موقف وزير خارجيته أفيجدور ليبرومان، الذي أعلن أيضاً الموافقة على مثل هذا الحل…

قلت، هذه تطورات نظرية، لها أهميتها في سياق النقاش السياسي وفي قراءة مواقف الكبار ومحاسبتهم أو مناقشتهم نظرياً أيضاً…

وفي الوقت ذاته، صدر موقف من سوريا على لسان وزير خارجيتها رداً على سؤال عن دعوة ليبرمان نفسه إلى تفاوض مع سوريا، ولكن دون شروط، فقال المعلم: إذا كانت “إسرائيل” تريد السلام والوصول إلى حل، فهي تعرف ماذا يجب أن تفعل. يجب أن تلتزم بالقرارات الدولية، وبمرجعية مدريد، وبمبدأ الأرض مقابل السلام، وأن توافق على المبادرة العربية! نعم، المبادرة العربية التي كان قد أعلن أكثر من مرة الرئيس بشار الأسد نعيها، مؤكداً أنها لم تعد موجودة وسبّب ذلك في مرحلة معينة خلافاً عربياً- عربياً. ولكن بين التصريحات الإسرائيلية النظرية وبين الممارسات العملية ثمة فرق كبير لا يمكن معه الاستناد إلى أي أمل في إمكانية الوصول إلى حل. الإسرائيليون، وفي مناورة واضحة ومكشوفة يتحدثون عنها بأنفسهم من أجل كسب الوقت مع إدارة أوباما الجديدة. يتحدثون عن “حل الدولتين”، ولكنهم يؤكدون على “إسرائيل” الدولة اليهودية… وكان هذا شرطاً على الموفد الأميركي جورج ميتشل الذي طلب منهم الموافقة على “حل الدولتين” بعد أن كانوا يرفضون ذلك، ففعلوا مع إصرارهم على يهودية دولتهم، فاستخدم هو التعبير ذاته في أحد تصريحاته، وصادروا منه هذا الموقف. والدولة اليهودية تعني الدولة العنصرية التي لا يكون فيها فلسطينيون أو عرب. والتي سيهجّر منها هؤلاء أو سيجرد منهم من يحمل الجنسية الإسرائيلية من جنسيته وستصادر أملاكه!

وبالفعل هذا ما بدأ يحصل وكان هذا التصريح الإشارة الخضراء لاستكمال عملية تهويد القدس، فبلدية القدس أصدرت قرارات بهدم عدد من البيوت والشقق السكنية بلغت 26 شقة وبيتاً. وقد بلغ عدد البيوت الصادرة بشأنها قرارات هدم الألف، وبدأت مسيرة قرار وضم جديدة، إذ ستضم مناطق إلى مستوطنات قائمة وسيتم توسيع مستوطنات أخرى، كما أن عمليات الهدم استهدفت مراكز دينية إسلامية ومسيحية ومنها كنائس وأديرة للطائفة الأرمنية. كذلك، فإن ثمة مشروعاً لبناء آلاف الوحدات السكنية على الأراضي الفلسطينية المصادرة!

وأعلنت السلطات الإسرائيلية الأسبوع الماضي إجراءات لمصادرة مساحة واسعة من أراضي القدس تبلغ نحو 12 ألف دونم للربط بين مستوطنتي “معاليه أدوميم” و”كيدار” ولم تنفع كل الدعوات الأميركية والدولية لثني “إسرائيل” عن هذا العمل. وقد استمرت السلطات الإسرائيلية في الوقت ذاته في منع الفلسطينيين المسلمين والمسيحيين من مواطني الضفة من دخول القدس والوصول إلى أماكن عباداتهم إلا بتصاريح خاصة، لكنها محدودة جداً وتمنح عادة لكبار السن! إضافة إلى التهديدات المستمرة للمسجد الأقصى من خلال الحفريات التي تجري حوله وتحته، وإلى المحاولات المتكررة لمنع الفلسطينيين من أداء الصلاة فيه.

هل يمكن مع مثل هذه السياسة الوصول إلى حل؟ ألا يعني ذلك أن “إسرائيل” هي في طريق تكريس يهودية الدولة وتهويد كل ما فيها؟ وأين حقوق الفلسطينيين هنا؟ وكيف يمكن الوصول إلى حل دون إقرار حقوق الفلسطينيين؟ دون المحافظة على ما تبقى لهم من وجود على أرضهم على الأقل وقبل الحديث عن حق عودة الذين أجبروا على ترك أراضيهم بسبب الإرهاب والحروب الإسرائيلية المتتالية ضدهم؟

من يقمع ويمنع ويلجم ويوقف هذه السياسة الإسرائيلية؟ أين أميركا -أوباما إذا كانت أميركا السابقة قد فشلت وإذا كنا فعلاً أمام تغيرات جديدة وجدية في السياسة الأميركية كما يقولون؟

فأين المجتمع الدولي والأمم المتحدة وأوروبا و”الرباعية الدولية” والعرب والمسلمون؟

أين القوى الممكن الاستناد إليها لمنع هذا المخطط؟

أميركا تبدو عاجزة. تبحث عن مخارج وحلول لأزماتها من العراق إلى أفغانستان، إلى مشاكلها مع حلفائها الطبيعيين التاريخيين في المنطقة؛ لأنها ذاهبة في انحراف عنهم إلى أعدائها التاريخيين على الأقل في السنوات الأخيرة لإنقاذ مصالحها ولو تهددت مصالح الحلفاء…

أميركا غير قادرة على لعب أي دور اليوم -كما يبدو- حتى الآن.

أما المجتمع الدولي، فهو موضع إدانة من “إسرائيل” نفسها ومن العالم الآخر. “إسرائيل” لا تريد القرارات الدولية. لا تحترمها، لا تنفذها. تستضعف المؤسسات الدولية، لا تقر بوجودها إلا عندما تحتاجها. وأميركا في مجلس الأمن الضامن والحامي لمصالح الدولة العبرية والمانع أي إدانة لها أو استهداف أو انتقاد.

الأمم المتحدة تطالب “إسرائيل” اليوم بالتعويض عما أصاب مقرّاتها في غزة في الحرب الإسرائيلية الأخيرة عليها والدمار المبرمج والمقصود والمنفذ عن سابق تصور وتصميم وقد أقرت به القوات الإسرائيلية ونشرت الأمم المتحدة تقارير واضحة بشأنه. لكن “إسرائيل” ترفض التعامل مع هذه النتائج وترفض التعويضات.

الأمم المتحدة غير قادرة على الدفاع عن نفسها في وجه “إسرائيل”. فكيف ستدافع عن الفلسطينيين؟

هذه هي المشكلة هنا. ولذلك قلت في البداية التطورات المهمة التي يحكى عنها هي تطورات نظرية حتى الآن. لا يمكن التقليل من أهميتها كمؤشرات في العمل السياسي. ولكن لا يمكن الارتياح إلى أنها تشكل تحولات حقيقية قابلة إلى الترجمة إلى وقائع ما دامت “إسرائيل” تمارس سياسة فرض الأمر الواقع على الأرض ولا أحد يردعها.

هل يعني أنه سيكون ل”إسرائيل” ما تريده؟ في نهاية الأمر لا ولو طال الزمن. لكن كلفة ذلك ستكون خطيرة على العالم والعرب والمسلمين والفلسطينيين كلهم، ولن تولّد هذه السياسة إلا المزيد من العنف والصراع والصدام والدم.

هذا قدر فلسطين والفلسطينيين وعلى هذا الأساس يجب أن يبنوا سياساتهم وأن يتوحدوا وأن يقيّم العرب حساباتهم أيضاً.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات