الجمعة 26/أبريل/2024

يهودية الدولة مقابل قرار التقسيم؟

يهودية الدولة مقابل قرار التقسيم؟

نسب إلى السيد عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية، تصريحه إلى إحدى الصحف الخليجية أنه يوافق على الاعتراف بيهودية إسرائيل، بشرط أن تنفذ إسرائيل قرار التقسيم. وأرجو أن يتنبه الجميع إلى أي تصريح يتعلق بإسرائيل، خاصة إذا صدر من شخصيات معينة في هذا الوقت الذي تلح فيه إسرائيل وأمريكا على الاعتراف بيهودية إسرائيل. ولا شك أن مقايضة يهودية إسرائيل بتنفيذ إسرائيل قرار التقسيم لن يبقى سوى الاعتراف العربي بيهودية الدولة.

وقد حذر السيد خالد مشعل في رده على نتانياهو من تسرع الدول العربية والإسلامية نحو الاعتراف بإسرائيل على أي نحو قبل أن تنفذ إسرائيل استحقاقات السلام. ولما كان تصريح الأمين العام ينطوي على خطورة بالغة خاصة في هذا الوقت، فقد سارعت إلى بيان هذه الخطوة على افتراض أن الرجل حسن النية وأنه يريد أن ينتزع من إسرائيل أي مقابل لمبدأ يهودية الدولة، على أساس أنه فيما يبدو قد اقتنع بما تقوله إسرائيل من أن المطالبة بدولة إسرائيل يهودية ليس جديدا، ولكنه وارد في قرار التقسيم، وهذا زيف كبير والتواء مألوف في تفسير النصوص. ولذلك أذكر الجميع- وأظن أن الأمين العام أيضاً بحاجة إلى هذه الذكرى (وذكر إن الذكرى تنفع المؤمنين)- بحاجة إلى مثل هذا التذكير بعدد من الحقائق المعروفة.

أولاً: أن قرار التقسيم أصلاً قرار جائر يعبر عن مرحلة الاستعمار ويناقض ميثاق الأمم المتحدة الذي بشر بعصر حريات الشعوب والأفراد. فقد بني القرار على وهم باطل وادعاء زائف في إطار مشروع استعماري سهر الغرب عليه قروناً لتنفيذه، ولذلك فإن الطبع المستقيم يرفض منطق هذا القرار.

ثانياً: أن القرار قسم فلسطين بين دولتين، إحداهما يهودية والأخرى عربية، وهو تمييز عرقي لا ديني، ويقصد به أن في فلسطين شعبين، الأول يهودي والآخر عربي، وكان ذلك مقصوداً لتثبيت فكرة الشعب اليهودي بالمفهوم العرقي والسياسي وليس بمفهوم الدين. وقد حدد القرار للدولة اليهودية جزءاً من فلسطين نسبته 56.5% والباقي 43.5% للدولة العربية. أي أن قرار التقسيم قصد أن تعيش الدولتان معاً وأن تكون القدس هي العاصمة الاقتصادية للدولتين، وذلك بعد دخولهما في اتحاد فيدرالي. وقد حصل اليهود بالفعل على النسبة المقررة وزادوا علي هذة النسبة حوالي 21.5% .

ثالثاً: لوحظ أن إعلان قيام إسرائيل يوم 15/5/1948 قد بشر اليهود بأن فلسطين كلها لهم وهي إرث الأجداد، وأن قرار التقسيم لايعدو أن يكون كاشفاً عن حق اليهود في فلسطين دون الاعتراف بالنسبة المقررة لهم. ولذلك ليس صحيحاً أن إسرائيل تعترف بقرار التقسيم كأساس قانوني لقيامها، لأن اعتراف إسرائيل بهذا القرار على هذا النحو يعني إلزامها بحدود القرار ومتطلباته. فيهودية الدولة قاصرة على الجزء المخصص لها وهو 55% فقط مما تستولي عليه إسرائيل اليوم من أراضي فلسطينية، فضلاً عن خروج القدس عن دائرة التهويد. كما أن عرب 1948 هم جزء من الأراضي التي طردت إسرائيل أصحابها منها وأحاطت بهم من كل جانب، فأصبحوا بقيام إسرائيل يتمتعون بجنسيتها وإن لم يتمتعوا بمواطنيتها بسبب الشذوذ في كل ما يتعلق بإسرائيل.

رابعاً: كان يتوقع أن يطالب العالم العربي بإعادة النظر في قرار التقسيم مادامت إسرائيل تريد كل فلسطين، لا أن يعطي الأمين العام إسرائيل شيكاً على بياض لطرد عرب 1948 وهو يعلم تماماً أنها تبحث عن أي ذريعة من أي جانب لدعم زعمها.

خامساً: يعلم الجميع أن إسرائيل لا تعترف أصلاً بقرار التقسيم وتدعي أن القرار إن صدر فإنه أدى وظيفة واحدة وهي الاعتراف بالحق التاريخي للأمة اليهودية في فلسطين ثم انقضى القرار بأداء هذه الوظيفة. يضاف إلى ذلك اجتهاد فقهاء إسرائيل بأن هذا القرار قد سقط برفض العرب له، ولا عبرة بعد ذلك بقبولهم له بعد سقوطه، وهذا دجل قانوني ظاهر.

سادساً: أن تنفيذ إسرائيل لقرار التقسيم كما يريد الأمين العام يعني تخلي إسرائيل عن معظم الأراضي التي ابتلعتها والاعتراف أصلاً بالقرار، وتغيير فلسفة المشروع الصهيوني الذي يقوم على أساطير الإرث والعودة والحق الإلهي في مواجهة “الغصب” الفلسطيني. وإذا كانت إسرائيل ترفض الحديث عن حدود يونيو 1967 فكيف يأمل الأمين العام بأن تعود إلى 1948، خاصة وأن إسرائيل في مؤتمر مدريد 1991 حظرت على العرب العودة إلى قرار التقسيم وألزمتهم بأن قرار مجلس الأمن 242 بتفسيرها الخاص هو البداية الرسمية للصراع والبداية الحقيقية لعملية السلام.

سابعاً: إذا كان الاعتراف بيهودية إسرائيل يعني رسمياً إنهاء القضية الفلسطينية، وهذا قطعاً ما لم يقصده الأمين العام، فإن الاعتراف لإسرائيل بصفتها اليهودية الذي يعني أيضاً التسليم بحقها في طرد عرب 1948 يناقض قرار قبول إسرائيل في الأمم المتحدة لأن قرار الجمعية العامة 273 في مايو 1949 الذي يلزم إسرائيل باحترام قراري التقسيم وحق العودة 181، 194 واحترام حقوق الأقليات غير اليهودية فيها بموجب دستور جديد يجب أن يقرأ مع فكرة الدولة اليهودية في قرار التقسيم وهو لا يقصد مطلقاً أن تكون إسرائيل دولة يهودية خالصة وطرد غير اليهود منها كما تزعم إسرائيل.

والخلاصة هي أن تصريح الأمين العام، إن ثبت صحته، ينطوي على مخاطر عظيمة لا أظن أن الأمين العام يغفل عنها.

السبيل، الأردن، 30/6/2009

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات