الخميس 25/أبريل/2024

الخطر الإسرائيلي المتزايد

الخطر الإسرائيلي المتزايد

صحيفة الاتحاد الإماراتية

نائب الرئيس الأميركي جو بايدن يعلن: “أن لإسرائيل الحق في اختيار الطريقة التي تراها مناسبة للتعامل مع إيران”! فسر الأمر على أنه ضوء أخضر أو تمهيد أو تغطية مسبقة ل”إسرائيل” لتوجيه ضربة إلى إيران التي تعيش حالة إرباك داخلي لأول مرة منذ انطلاق “الثورة الإسلامية” بعد التطورات السياسية والأمنية والتحركات الشعبية في الشارع، وما رافقها من ردات فعل بسبب الاعتراض على نتائج الانتخابات الأخيرة.

التصريح أثار موجة من التساؤلات مما اضطر الرئيس الأميركي باراك أوباما الداعي إلى الحوار مع إيران، والمؤكد حتى الآن على الخيارات الدبلوماسية في التعاطي معها إلى إعلان موقف صريح: “لا ضوء أخضر لضرب إيران”. لم يبدد هذا الكلام نهائياً المخاوف.

شيمون بيريز رئيس الكيان الإسرائيلي قال: “لن نقدم الجولان على طبق من فضة لسوريا. عليها أن تتقدم خطوات. ولن يكون اتفاق وتنازلات من قبلنا إن هي استمرت في علاقاتها مع إيران وفي تسهيل تسليح حزب الله”.

ثم قال في تصريح آخر: “لقد حسم أمر الدولتين. الحل في دولتين. نعم، دولة إسرائيل لليهود ودولة فلسطين للعرب”! وجاء هذا التصريح بعد سلسلة مواقف أطلقها وزير الخارجية ليبرمان ورئيس الحكومة نتانياهو تؤكد يهودية الدولة، وتشترط موافقة الفلسطينيين المسبقة على هذا الأمر للدخول في مفاوضات معهم!

شيمون بيريز يقدم نفسه معتدلاً. رجل سلام. رجل ديمقراطية. وهو فعلياً من أخطر الشخصيات الإسرائيلية، وإن يكن ليس شخصية عسكرية. هو المنظرّ الاستراتيجي والمناور الأكبر والأدهى. الكلام الذي قاله يبدو هادئاً استقطابياً جذاباً، لكنه في الحقيقة لا يختلف عن مواقف الآخرين. “إسرائيل” دولة اليهود! يعني يهودية الدولة. يعني تماماً كما يريد غيره إبقاء الفلسطينيين في الداخل تحت خطر التهجير وإسقاط حق الفلسطينيين اللاجئين في الخارج في العودة إلى بلادهم. إنه الهدف ذاته ولا فرق في المضمون والتوجه بين ما يريده بيريز وما يتطلع إليه ليبرمان – نتانياهو!

والأخطر من ذلك هو ما تم تسريبه عن أن أميركا وافقت في النهاية على بناء بعض المستوطنات. صحيح أن تسريبات إعلامية صدرت لاحقاً من قبل بعض الأميركيين في إدارة أوباما تنفي ذلك، لكن الحقيقة والواقع على الأرض يؤكدان استمرار “إسرائيل” في التوسع وبناء المستوطنات وتهديد الفلسطينيين!

رئيس الحكومة نتانياهو الذي اعتمد سياسة المناورة وكسب الوقت، يريد بطبيعة الحال الاستفادة من كل هذه المواقف والتطورات لتجاوز مرحلة السماح المعطاة للرئيس الأميركي “الجديد” أوباما – وقد بقي منها أشهر قليلة – ليبدأ العد العكسي الفعلي لتنفيذ خططه ومشاريعه، ويكون أوباما قد ذهب إلى سلّم أولويات آخر يجنّب “إسرائيل” الضغط، هذا إذا سلمنا جدلا أن سلم الأولويات لديه الآن الضغط على الإسرائيليين والسعي للوصول إلى حل على أساس الدولتين، وحل عادل لا يتطابق مع ما يعلنه المسؤولون في حكومة نتانياهو، وبالتأكيد الأمر ليس كذلك!

في المقابل، الموقف الفلسطيني لا يزال على حاله. انقسام، خلاف، وعدم وجود رؤيا. غزة لا تزال تحت الأنقاض. معابر مقفلة. لا إعمار ولا بناء ولا مقومات الحد الأدنى من الحياة الكريمة، والخطر لا يزال محدقاً بأهلها وإخوانهم في الضفة وفي داخل الأراضي المحتلة الأخرى. النقاش بينهم يدور حول: وقف الاعتقالات المتبادلة بين “فتح” و”حماس” ومن يبدأ بإطلاق الموقوفين قبل الآخر؟ من أين تأتي مبادرة حسن النية؟ كيف تشكّل الحكومة؟ إلى أين سيؤدي الحوار في القاهرة؟ على وقع أي حركة وأي مصالح إقليمية سيستمر هذا الحوار؟ أين العنصر الفلسطيني في هذا الحوار في ظل التجاذب المصري- السوري، والمصري- القطري، والإيراني- المصري.

أين فلسطين؟ أين خطة المواجهة لما يقوله ويفعله بيريز ونتانياهو وليبرمان؟ وأين الحساب الفلسطيني في لعبة الدول ومصالحها ونحن نشهد حركة كبيرة في اتجاهات مختلفة لا نعرف أين ستقف وعلى ما سترسو؟ المؤكد أن كل الاتجاهات تؤدي إلى غير فلسطين حتى الآن!

والموقف الفلسطيني انعكاس للموقف العربي أو مؤثر حاسم فيه. وفي كل الحالات فإن العرب منقسمون ولو اجتمع وزراء خارجيتهم واتخذوا قراراً “موحداً” بالتأكيد على التمسك بالمبادرة العربية أو بالدعوة إلى التعامل مع الحركة الأميركية بإيجابية فقط لأن فيها دعوة إلى حل يقوم على أساس الدولتين، وإلى تجميد الاستيطان. لكن الواقع ومضمون الموقف الإسرائيلي لم يتغير فعلياً والموقف الأميركي يبدو حتى الآن غير ذي تأثير على الإطلاق. بل إن واشنطن تبحث عن مصالحها للخروج من مأزقها في العراق وخصوصاً من مأزقها في أفغانستان، وها هي مؤخراً بدأت تنحو منحى “الشراكة”، التي لطالما طالبنا بها مع روسيا ومع غيرها من الدول لمواجهة مشاكلها ومعالجة معاناتها في أفغانستان. وستجتاح دولا أخرى، من إيران إلى سوريا إلى غيرها في المنطقة ولكل ذلك ثمن. والأثمان عادة بعيدة عن المبادئ!

المبادرة العربية تتحدث عن عودة لاجئين. وعن تسوية واضحة. لكن ما هو مطروح إسرائيلياً اليوم: “السلام مقابل تجميد الاستيطان ” هذا ما أعلنه وزير الدفاع الإسرائيلي. واللافت حقيقة هو صدور بعض المواقف العربية التي تقول “إن السلام يبدأ من وحدة الموقف الفلسطيني ووقف الاستيطان”. وهذه المواقف كانت لافتة في توقيتها وتزامنها مع كلام باراك. فالتأكيد على الوحدة الفلسطينية هو من باب تحصيل الحاصل. ولكن التقاطع بين موقف باراك وقول بعض العرب السلام يبدأ بتجميد الاستيطان أمر خطير ولافت جداً.

لقد انحدر مستوى المطالب والطموحات والآمال العربية. ومع الوقت سيكتشف العرب أن الحركة الأميركية لن تؤدي إلى نتائج. وإن “إسرائيل” قادرة على خلق وقائع جديدة داخل المؤسسات الأميركية لتغيير حتى التكتيك أو الوجهة التي اعتمدتها الإدارة الأميركية الجديدة.

وبالتالي سيعود الجميع إلى مواجهة الخطر الذي يكبر، ف”إسرائيل” تتسلح، تستعد للحرب، ولاستخدام أسلحة أميركية متطورة وهي قامت بمناورات وتجارب كثيرة. وهي تستهدف جبهات عديدة. من طهران إلى لبنان مروراً بفلسطين بالتأكيد، والخيار الوحيد الذي يظهر هو خيار العنف والإرهاب والقتل متسلحة بدعم أميركي مفتوح.

ليس بالضرورة أبداً أن تنجح “إسرائيل” وأن ينجح خيارها. وتلك كانت نتيجة كل حروبها تقريباً لا سيما في السنوات الأخيرة لكن الواقع العربي القائم والوضع الفلسطيني يسهلان لها فرض وقائع أو تحقيق خطوات. لكن هذه الوقائع لا تخفي ولا تسقط الواقع الأساس والحقيقة الأساس وهي حق الفلسطينيين في أرضهم وحقهم على أرضهم في إقامة دولة مستقلة. إلا أن الوصول إلى هذا الحق سوف يكلف الكثير الكثير من الوقت والجهد والتضحيات لتثبيته.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات