السبت 20/أبريل/2024

ثلاثة رؤساء واجهوا إسرائيل

ثلاثة رؤساء واجهوا إسرائيل

صحيفة الوطن القطرية

الرئيس أوباما من أكثر الرؤساء الأميركيين الذين أحاطت به علامات استفهام لا حصر لها، وتساؤلات عن مدى قدرته على تحقيق ما حمله من وعود بالتغيير، وكانت النسبة الكبرى من هذه التساؤلات من نصيب بلادنا العربية خاصة ما يتعلق بطول نفس موقفه تجاه “إسرائيل”، وتحدي حكومتها لما يطالب به.

.. ولا خلاف على أن العلاقة بين رؤساء أميركا وبين “إسرائيل” منذ قيامها عام 48 شهدت تحيزاً فاضحاً، تجاوز حدود المقبول في العلاقات الدولية، لكن ذلك لا يمنع في ظروف معينة من كسر بعض الرؤساء قاعدة التحيز المفرط.

ولما كان ذلك يحدث في ظروف اقتناع الرأي العام الأميركي، بأن “إسرائيل” دائماً على حق حتى ولو كانت ظالمة ومعتدية، فإن عدداً ـ ولو قليلاً ـ من الرؤساء، قد نحى جانباً حسابات التحيز ليكون له موقف، يراعي مصالح الأمن القومي لبلاده، بينما خضع رؤساء آخرون لحسابات السياسات الداخلية، واتخذوا مواقف لحساب مصالحهم الخاصة.

البروفيسور فريد جرينستين أستاذ العلوم السياسية بجامعة برينستون، كان قد رصد هذه الحالة في كتابه الصادر عام 2000 بعنوان: الاختلافات بين الرؤساء: من فرانكلين روزفلت إلى بيل كلينتون.

قال: إن مؤسسة الرئاسة المعاصرة في الولايات المتحدة تنعكس فيها مواطن القوة والضعف، فيمن يشغل منصب الرئيس، أكثر من أي مؤسسة أخرى.

وفي استعراضه للنجاح والفشل لأحد عشر رئيساً، في مجتمع تلعب فيه قوى الضغط، وجماعات المصالح، أدواراً حاسمة في فوز المرشح في الانتخابات، فإنه يجد نفسه واقفاً في منطقة موازنة بين إرضاء هذه الجماعات، وبين حسابات مصالح بلاده.

ويقول جرينستين إن ثلاثة فقط من بين الأحد عشر رئيساً الذين تناولتهم دراسته هم الذين أفلحوا في تحرير إرادتهم كرؤساء، من سيطرة المشاعر الخاصة وهم ايزنهاور وفورد وبوش (الأب)، كأن تحرير إرادتهم هو بمثابة إعلان استقلالية كل منهم.

ولعل المؤلف قد أغفل ذكر رابعهم ربما لأن الوثائق الخاصة بموضوعه لم تتوافر له، وهو جون كيندي.

ففي كتاب القنبلة The Bomb للعالم الإسرائيلي أفنر كوهن يقول إن كيندي هو الرئيس الأميركي الوحيد الذي اعترض على أبحاث “إسرائيل” لصنع قنبلة ذرية، وأنه اتخذ موقفاً حاسماً منها وعزز كوهن معلوماته بالوثائق الرسمية، والخطابات المتبادلة بين كيندي وبن غوريون.

ويحسب جرينستين لايزنهاور إنذاره الشهير ل”إسرائيل” عام 1957 بسحب قواتها من سيناء بعد أن كانت قد أعلنت ضمها إليها، وإن كان لم يتطرق إلى حسابات الاستراتيجية الأميركية في موقف ايزنهاور الهادفة إلى إنهاء عصر الإمبراطورية البريطانية، لترثها بلاده.

أما الرئيس جيرالد فورد فقد أعلن عام 1974 قراره بإعادة النظر في السياسة الأميركية تجاه “إسرائيل”، والشرق الأوسط ككل، بعد أن تملصت “إسرائيل” مما وافقت عليه في مفاوضات فض الاشتباك مع مصر، وجاء إيجال ألون نائب رئيس وزراء “إسرائيل” إلى واشنطن ليقابل فورد، الذي فوجئ به يتقدم بقائمة طلبات لزيادة حجم المساعدات وفق برنامج طويل الأجل، ممتنعاً عن الكلام عن جدية التفاوض مع مصر لفض الاشتباك في سيناء، فقال له فورد، إنني لا يمكن أن أسمح بمساعدات طويلة المدى بينما “إسرائيل” لا تؤيد سياستنا الخارجية. وفشلت ضغوط اللوبي اليهودي على فورد، فتراجعت “إسرائيل” على الفور.

وقصة بوش (الأب) مع إسحق شامير رئيس وزراء “إسرائيل” صارت معروفة . ففي مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 تعهد شامير بوقف بناء المستوطنات، التي وصفتها إدارة بوش بأنها غير قانونية، وعقبة في طريق السلام، وأن التفاوض على أساس مبدأ الأرض مقابل السلام الذي قبله الجميع في مدريد، لا يمكن أن يتم بينما “إسرائيل” تفرض حقائق على الأرض.

وعاندت “إسرائيل” واستمرت في بناء المستوطنات، وفي نفس الوقت طلب شامير من إدارة بوش قرضاً قيمته عشرة مليارات من الدولارات، ورد عليه بوش عليك أن توافق على تجميد المستوطنات لأننا نرى أن تقديم القرض، ينبغي أن يتفق مع مصالح أميركا.

ولم يقبل شامير طلب بوش، وحشد ضده قوة الضغط اليهودي، وأنصار “إسرائيل” في الكونغرس، لكن بوش تصدى لها أمام الكونغرس بالربط بين مطالب أميركا من “إسرائيل” وبين المصالح الوطنية الأميركية، فتراجعت “إسرائيل”.

إن الرأي العام الأميركي يعمل حساباً للمواقف التي يتخذها الرئيس، حيث يجد لها تفسيراً منطقياً ومقنعاً بأنها تعبر عن مصالحه، ولهنري كيسنجر وصف لهذه الحالة في كتابه «سنوات التجديد» الصادر عام 1999 قال فيه: إن الرأي العام لن يغفر لقائده أي انتكاسة في السياسة الخارجية، لأنه سيأتي يوم يقول فيه الرأي العام، ولماذا لم يهتم الرؤساء بتوعيتنا بالنتائج التي ستترتب على سياسة خارجية معينة.

ولعل هذا هو ما فعله أوباما حين كرر في أكثر من مناسبة أن التقاعس عن التسوية الشاملة للنزاع العربي ـ الإسرائيلي، وحل الدولتين للفلسطينيين، هو ضد مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة.

.. الرئيس إذن تختلف قدراته وجديته اعتماداً على نجاحه في تحرير إرادته كرئيس من سيطرة المشاعر الخاصة، حسب تعبير جرينستين وعلى قدرته (لو كان جاداً) في استمالة الرأي العام لسياسته اقتناعا بها، وكذلك على جدية وسلامة وصلابة موقف أصحاب المصلحة في السياسة التي ينتهجها، وهم العرب، فالسياسة خاصة في أميركا هي لعبة توازن قوي، بين أطراف تتحرك، وأطراف في سكون. 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات