الجمعة 26/أبريل/2024

بالعبرية الخنثى

بالعبرية الخنثى

صحيفة الخليج الإماراتية

أخيراً، سقط آخر قناع عن الوجه القبيح وما كان للتو تهويداً للتاريخ شمل الجغرافيا والأماكن الفلسطينية، فلا حيفا هي حيفا ولا عكا هي عكا، ولا القدس هي القدس. غربة موحشة تعيشها الآن هذه الأسماء بعد الترجمة الاحتلالية لا الفورية لما كان لألفيات عدة يحمل أسماء منحوتة من صلب هذه المعاجم ومن صميم هذه اللغة.

إنهم يترجمون أسماء الأماكن بالعبرية الخنثى وهذا مصطلح لا أجد بديلاً عنه وأنا أقرأ العبرية بحروف عربية، وقد يبدو الأمر كما لو أنه حل وسط، بحيث يكون الاستفزاز الصهيوني لكل عربي لا يزال على قيد قوميته وذاكرته كاملاً.

لكن الحقيقة هي عكس ذلك تماماً، فالمقصود هو احتلال اللغة أيضاً، وتشريد الأبجدية في أسماء هجينة ترفع على يافطات، سواء فوق أطلال قرى هدمت واستوطنت أو على قمة جبل الكرمل، ومن لم يقيموا وزناً للإنسان في كل مكان، لن يتوقفوا للحظة واحدة عن ذلك الرسول الذي مشى في الجليل، وصلب، وكان الاسخريوطي هو قرين هذه التراجيديا إلى الأبد.

ما أعنيه بالعبرية الخنثى ليس مصطلحاً جنسوياً أو إسقاطاً أخلاقياً بقدر ما هو تعبير دقيق عن هذا التهجين الذي يزرع للأفعى ساقي غزال وللسلحفاة جناحي حمامة.

ما تمارسه سلطات الاحتلال هذه الأيام ليس تدشيناً لحقبة من التهويد أو شروعاً في إعادة الاحتلال، فهي تمارس ذلك منذ المستوطنة الأولى على شاطئ يافا عام 1982، ولم تكف لحظة عن الحلم بالتوسع، مما دفع بعض المؤرخين من مختلف البلدان إلى وصف الجغرافيا التوراتية المزعومة بأنها من مطاط وليست من صخور وجبال وتراب، فهي تتسع أو تضيق تبعاً لقوة الجيش الذي يجسد عقيدة عسكرية تأسست على حذف السكان الأصليين مرتين، مرة من الجغرافيا من خلال الإقصاء القسري والتشريد، ومرة من التاريخ من خلال تزوير الحقائق.

إن القدس لن تتبدل فيها حصاة واحدة إذا سميت أورشليم أو بأي اسم آخر، وكذلك يافا واللد والناصرة ونابلس والخليل، فهذه الشقيقات كن منذ البدء توائم الأرض التي لم يبالغ ذلك الشاعر العربي الملتاع حين قال إنها تتحدث بالعربي، تماماً كما أن الزيتون له حفيف عربي لا يقبل الترجمة إلى فحيح عبري.

لكن اللحظة الآن حاسمة، وثمة إصرار صهيوني على استثمار حالة التردي التي تحول دون صدهم وعقابهم على ما يقترفون، لقد قالوها مراراً. الجنرالات والحاخامات وأبواق إسبارطة الجديدة في الألفية الثالثة، لا بد من كسب الوقت، ولا بد من استثمار حالة الوهن العربي، لأن المستقبل غير مضمون وقد يتحول إلى كمين أو فخ لأحفاد المستوطنين والقتلة.

ما يجري هو تمدد سرطاني للاحتلال بحيث يطال الثوب الفلسطيني والحلوى النابلسية وقرص الفلافل، فمن لا تاريخ له يسطو على تاريخ الآخرين، ومن لا جذور لثقافته يحاول أن يختبئ في جحر كالخلد أو القنفذ ليقضم جذور الآخرين، لكن السنديان يسخر من شجرة اللبلاب التي تعيش وتموت بلا عمودي فقري، ولا بد لها من حائط أو حتى عصا تسندها لأنها لا تقوى وحدها على مقاومة جاذبية الأرض، وإن كانت للتاريخ أيضاً جاذبيته وفيزياؤه التي لا تتيح للمتلاعبين بها أن يحولوا الزؤان إلى قمح أو خطين أزرقين نحيلين على علم إلى نيل وفرات، لن تغير الترجمة من العربية إلى العبرية الخنثى شيئاً من تلك الجغرافيا الرسولية.. لكن الصمت على ذلك هو تواطؤ مشهود بكل المقاييس.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

45 ألف مُصلٍّ يؤدون الجمعة في الأقصى

45 ألف مُصلٍّ يؤدون الجمعة في الأقصى

القدس المحتلة - المركز الفلسطيني للإعلامأدى 45 ألف مواطن صلاة الجمعة اليوم في المسجد الأقصى المبارك، في حين منعت قوات الاحتلال، العشرات من الشبان...