موقف مصري لا يصدق
صحيفة الشرق القطرية
إذا لم يكن المسؤولون المصريون قد سمعوا بأصداء الأخبار التي تنشر بين الحين والآخر عن منع وصول المساعدات إلى المحاصرين في غزة، فتلك كارثة لا ريب. أما إذا كانوا قد تلقوا تلك الأصداء، ومع ذلك استمروا في المنع، فإن الكارثة في هذه الحالة تصبح أكبر وأعظم. ذلك أن أحداً في العالم العربي والإسلامي لا يريد أن يصدق أن يكون هذا هو موقف الإدارة المصرية. إذ لا تزال الدهشة تعتري كثيرين حين يعرفون أن مصر تشترك في حصار غزة، وتتضاعف تلك الدهشة حين يعلمون أن ثمة معبراً يصل مصر بالقطاع، لكنه مغلق بأيد مصرية، وأن صحفنا تنشر أخباراً عن إلقاء القبض على أناس يجمعون أموالاً لمساعدة أهل غزة، ويمنعون آخرين يحاولون توصيل المعونات الإغاثية إليهم.
منذ وقعت الواقعة وتم الحصار، فإنني ما ذهبت إلى بلد عربي إلا وانهالت عليّ الأسئلة التي تستفسر عن مدى صحة تلك الأخبار المنشورة، وعن حقيقة الدوافع التي تجعل مصر الرسمية تتصرف على ذلك النحو. وأمثال تلك الأسئلة تصبح ملحة وتقترن بدرجات متفاوتة من الاستنكار والاستهجان، حين يكون السائلون من الأجيال التي تعرف قدر مصر الحقيقي وتحسن الظن بسياساتها التي خبروها في السابق.
لأنني أشاركهم في شعورهم بالحيرة والدهشة، فإنني لم أخف تضامني معهم في استنكار الموقف، وكنت أقول: إنني لا أجد تفسيراً له سوى أنه يكمن في الحسابات الأمنية، إلى جانب حرص مصر على أن تتجنب الضغوط الدولية، الأمريكية و”الإسرائيلية” خصوصاً، وكنت أذكر في كل مرة بأن الأسئلة المثارة حول الموضوع، ينبغي أن توجه إلى المسؤولين في الحكومة أو المتحدثين باسمها. لم أكن مقتنعاً بهذا الكلام، لكنني قلته التزاماً بحدود المباح. واهتداءً بشعار عدم الكذب وتجنب قول الحقيقة. في الوقت ذاته فإن أحداً لم يقتنع بهذا التفسير، حتى سمعت من البعض انتقادات قاسية للموقف المصري، لا أستطيع أن أذكرها لأنها تزجّ بنا في دائرة غير المباح. وقد صدرت تلك الانتقادات عمن أعرفهم أكثر الناس حباً لمصر وغيرة عليها وثقة في قدراتها واعتزازاً بتاريخها.
أسوق هذا الكلام بمناسبة الصعوبات والعراقيل التي وضعتها السلطات المصرية أمام القافلة التي قادها جورج جالاوي، الناشط البريطاني وعضو مجلس العموم، التي انطلقت من نيويورك قاصدة غزة. وضمت 190 ناشطاً أمريكياً بينهم 4 من حاخامات اليهود، وهؤلاء اصطحبوا معهم مائة حافلة وشاحنة محملة بالمساعدات الطبية. ولم تسمح السلطات المصرية للقافلة التي حملت اسم “شريان الحياة” بعبور قناة السويس في طريقها إلى غزة مروراً بالعريش ومعبر رفح. وقيل في هذا الصدد: إن القافلة لم تستكمل الأوراق القانونية اللازمة. في الوقت الذي انتقد فيه النائب جالاوي السلطات المصرية التي منعتهم من إحضار مواد غذائية معهم أو مواد بناء، وسمحت فقط بالمساعدات الطبية.
هذا بدوره موقف غير مفهوم ويصعب تبريره. لأنني أفهم أن تصدر مثل هذه الذرائع عن السلطات المالطية أو القبرصية أو اليونانية، ولكنها تستغرب حين تصدر عن القاهرة وتنشر في الصحف المصرية، وتتناقلها وكالات الأنباء لكي تعمم الفضيحة على الكرة الأرضية. ذلك أن المواطن العادي، عربياً كان أو مسلماً، لن يصدق أن “أم الدنيا” بجلالة قدرها، تعطل وصول قافلة الناشطين القادمين من الولايات المتحدة إلى غزة، بسبب عدم استكمال أوراقها القانونية، رغم دخولهم إلى مصر بصورة قانونية.
هو مخجل أن يتولى النائب البريطاني قيادة حملة إغاثة المحاصرين في غزة، فيأتي على رأس قافلة أولى قادمة من بريطانيا، وهذه هي الثانية القادمة من الولايات المتحدة. وفي القاهرة أعلن عن قافلة ثالثة ستأتي من فنزويلا بأمريكا اللاتينية. أما المخزي حقاً فهو تلك العراقيل التي توضع أمام أمثال تلك الحملات والمحاولات من جانب السلطات المصرية.
لا أعرف إن كان ذلك قراراً أمنياً أم سياسياً، لكن الذي أعرفه أن صداه في العالم العربي والإسلامي يشين مصر ولا يشرفها، فضلاً عن أنه يكشف عن مدى القصور في الرؤيتين الأمنية والسياسية. وهو ما يجعلنا نستشعر حسرة بالغة تنضاف إلى الخجل والخزي.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات
نادي الأسير: الإفراجات المحدودة من سجون الاحتلال يقابلها حملات اعتقال مستمرة
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام أكد نادي الأسير الفلسطيني، الخميس، إن "عمليات الإفراج المحدودة التي تمت لمجموعة من المعتقلين الإداريين خلال...
“الإحصاء الفلسطيني”: مليون و100 ألف مواطن في رفح
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أعلن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، الخميس، أن عدد المواطنين المقيمين في محافظة رفح لغاية 22...
حماس تطالب بفرق متخصصة للبحث عن المفقودين والتعرف على شهداء المقابر الجماعية
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام جددت حركة المقاومة الإسلامية حماس مطالبتها للأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية ذات العلاقة بضرورة إرسال فرق...
ارتفاع عدد الشهداء الصحفيين إلى 141 بعد ارتقاء “الجمل”
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام استشهد الزميل الصحفي محمد بسّام الجمل، صباح اليوم الخميس، في قصف إسرائيلي استهدف منزله في رفح جنوب قطاع غزة. وقال...
طالبت بتحركٍ دوليٍ عاجل.. حماس تحذر من مخاطر النقص الحاد للوقود بمستشفيات غزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام أكدت حركة المقاومة الإسلامية حماس، اليوم الخميس، أن التحذير الذي أطلقته وزارة الصحة في غزة، بشأن النقص الحاد في...
جيش الاحتلال يعلن إصابة 11 عسكريا برصاص المقاومة في غزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، إصابة 11 عسكريا في معارك قطاع غزة، خلال الساعات الـ24 الأخيرة، دون إضافة معلومات عن...
خليل الحية: لن نفرج عن الأسرى دون وقف إطلاق النار وانسحاب الاحتلال من غزة
الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام أكد نائب رئيس حركة حماس في قطاع غزة، القيادي خليل الحية، أن الإشكال الحقيقي في مفاوضات وقف العدوان العسكري على...