السبت 20/أبريل/2024

تسويات متقاطعة أو مقتطعة؟

تسويات متقاطعة أو مقتطعة؟

صحيفة الخليج الإماراتية

ينشد باراك أوباما تسوية شاملة لصراعات المنطقة. التسوية الشاملة تبدأ في فلسطين، أو في ما تبقّى منها. المدخل إلى التسوية يعرف باسم “دولتين لشعبين”. إحدى الدولتين موجودة. الأخرى موعودة.

أسند أوباما إلى جورج ميتشل مهمة تظهير معالم “الدولة” الموعودة، دولة فلسطين، فوجد نفسه منشغلاً بترسيم تخوم، وليس حدود، الدولة الموجودة. ذلك أن “إسرائيل”، في مفهوم قادتها، دولة غير مكتملة بعد، وهي بالتالي متحركة، متوسعة في كل الجهات على الأرض التي تسميها “أرض إسرائيل”، أي فلسطين التاريخية بكاملها.

التوسع في الأرض اسمه الاستيطان، “إسرائيل” ترفض أن تضع له تخوماً، فالمستوطنات القائمة نامية، ولا “يجوز” وضع قيود على “نموها الطبيعي”. يسأل ميتشل محاوريه “الإسرائيليين”: إلى أين يمكن أن يمتد هذا “النمو الطبيعي”؟ أليس له حدود؟ يجيبون: ذلك يتقرر في المفاوضات.

الفلسطينيون، حتى المعتدلون ومحترفو التعاطي مع “إسرائيل”، يرفضون الدخول في مفاوضات حول أرض يجري قضمها يومياً ويرفض مغتصبوها تحديد تخومٍ لحملةِ قضمها الأبدي، ما يسعى إليه ميتشل حالياً هو إقناع حكومة “إسرائيل” بإصدار بيان يؤكد وقف الاستيطان مع مراعاة “النمو الطبيعي” داخل المستوطنات القائمة، علّ محمود عباس وفريقه من الفلسطينيين “المعتدلين” يعتبرونه كافياً لولوج باب المفاوضات.

وزير الاستخبارات المصرية عمر سليمان يعرف أن بياناً كهذا لا يكفي لتحريك قطار المفاوضات. لذلك يكثّف جهوده بين الفصائل الفلسطينية، لاسيما بين “فتح” و”حماس”، للتوافق على أسس عامة وقواعد إجرائية لبرنامج عمل فلسطيني يمكّن الجميع، معتدلين ومقاومين، من دخول المفاوضات على أساسه.

كبار المسؤولين السعوديين يعرفون أن التسوية التي ينشدها عمر سليمان بين أهل الداخل الفلسطيني، بخطيه المقاوم والمساوم، لن تتم ما لم تقترن بموافقة أهل الخارج الفلسطيني، لاسيما قادة الفصائل التي تتخذ من دمشق مقراً لها. بل إن هؤلاء قد يرهنون موافقتهم على التسوية بمصادقة مسبقة من دمشق. لهذا السبب، ولغيره أيضاً، ذهب الأمير عبد العزيز بن عبد الله، موفداً من قبل والده العاهل السعودي، إلى دمشق للتفاهم مع الرئيس السوري على طرائق تدوير الزوايا لضمان توافق الفلسطينيين جميعاً على تسوية مقبولة تجعل المفاوضات المطلوبة مع “إسرائيل” ممكنة.

سوريا ليست، بطبيعة الحال، جمعية خيرية. فهي دولة تؤيد الحق العربي في فلسطين، لكنها تكافح أيضاً لاستعادة حقوقها في أرضها المغتصبة (الجولان) نتيجة دعمها المستمر للحق العربي في فلسطين. فما “ثمن” وساطتها المطلوبة مع حلفائها الفلسطينيين المقيمين في دمشق؟ وهل يعقل أن يكون الثمن أقل من استعادة الجولان من “إسرائيل” بلا قيد أو شرط؟

ثم، ماذا عن لبنان؟ ثمة أراض لبنانية ما زالت “إسرائيل” تحتلها، وثمة مقاومة لبنانية باسلة ومقتدرة دحرت “إسرائيل” ثلاث مرات كانت الأخيرة قبل ثلاث سنوات (2006) وما زالت دولة العدوان تعاني من مضاعفاتها حتى هذه اللحظة، فهل يعقل تجاهل قضية لبنان ومقاومته الفريدة المقتدرة في ما يعدّه الكبار والصغار من ترتيبات وتسويات؟

هكذا يتضح أن التسوية التي ينشدها أوباما هي، في الواقع، مجموعة من التسويات الإقليمية المتقاطعة التي يقتضي توليفها وتنسيقها وتركيبها لتصبح تسوية متكاملة ممكنة الوجود والتنفيذ.

أوباما هو مهندس التسوية المنشودة، يعاونه في مشروعه، إلى موفديه ومساعديه، رهط من المقاولين من الباطن، دوليين وإقليميين، ومجاميع من المتعهدين الثانويين ومؤجري الخدمات في شتى حقول الإعلام والعلاقات العامة والمبادلات السياسية والاقتصادية المنظورة وغير المنظورة.

ما حظوظ أوباما في النجاح؟

إنها ضئيلة، كما تبدو الآن، لثلاثة أسباب.

الأول، أن ثمة تسويات أخرى أشد تعقيداً تتقاطع مع التسوية – المدخل ويقتضي إنجازها في مسار المفاوضات لجعل التسوية المنشودة، أي تسوية صراعات المنطقة كلها، متكاملة وممكنة.

ولعل أهم هذه التسويات قضية إيران بما هي دولة إقليمية مركزية مهددة لمصالح دول الغرب الأطلسي من جهة، وبما هي ناهضة ببرنامج نووي طموح من جهة أخرى. فهل يستطيع أوباما إنجاز تسويات مقبولة لقضايا إيران والعراق وأفغانستان متقاطعة مع تسوية قضية فلسطين خلال مدة أقصاها النصف الأول من ولايته؟

الثاني، أن نفوذ اليمين “الإسرائيلي” التوسعي قوي وأحياناً مُقرر في أوساط المؤسسة الحاكمة، “الاستبلشمانت”، ولاسيما في الكونجرس الأمريكي الأمر الذي يساعد نتنياهو وفريقه على تفادي المفاوضات التي يريدها أوباما مدخلاً للتسوية المنشودة.

الثالث، أن الأزمة المالية والاقتصادية ما زالت تمسك بخناق الولايات المتحدة، وقد تتطور بمضاعفاتها على نحوٍ يستأثر باهتمامات إدارة أوباما ويشلّ مبادراتها الخارجية، وبينها خطة “خريطة الطريق” وحل الدولتين.

غير أن هذه التحديات والصعوبات لن تحول دون الاستعاضة عن التسويات المتقاطعة بتسويات مقتطعة، بمعنى جانبية، فيصار إلى فتح بعض المعابر إلى غزة، ويجري “تجميد” بعض البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية، ويعاد إلى لبنان الشطر المحتل من بلدة الغجر الحدودية.

… ويستمر الصراع.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات