الثلاثاء 23/أبريل/2024

خطاب أوباما والترغيب في التنازل

خطاب أوباما والترغيب في التنازل

صحيفة الاتحاد الإماراتية

ينتهي خطاب أوباما بخاتمة تستعيد بإيجاز، وبأسلوب دعوي سلمي، ما كان قد قرره بصدد المسائل السبع التي قال عنها إنها هي “مصادر التوتر في العلاقات بين الولايات المتحدة والإسلام”. وقد جاءت هذه الخاتمة متناغمة مع أسلوب نص الخطاب ككل، من حيث اعتماد الجدل/ السياسوي، الجدل الذي يوظف السياسة في القضايا السياسية كما في القضايا الأيديولوجية، كما شرحنا في المقال السابق.

يقول خطاب أوباما في فقرة ممهدة للخاتمة: “يجب إنجاز جميع هذه الأمور عن طريق الشراكة”، ويقصد ما تقدم من وعود في صلب الخطاب، ثم يضيف: إن الأميركيين مستعدون للعمل مع المواطنين والحكومات ومع المنظمات الأهلية والقيادات الدينية والشركات التجارية والمهنية في المجتمعات الإسلامية في جميع أنحاء العالم من أجل مساعدة شعوبنا في مساعيها الرامية لتحقيق حياة أفضل.

وما يلفت النظر هو هذا التعداد لمكونات الطرف العربي الإسلامي مقابل اختصار مكونات الطرف الأول في كلمة “الأميركيين”. إن الخطاب، خطاب رئيس دولة، والمفروض أنه بوصفه كذلك يخاطب من هم في مثل وضعيته، أعني رؤساء الدول العربية والإسلامية. أما مخاطبة “المواطنين والحكومات والمنظمات الأهلية والقيادات الدينية والشركات التجارية والمهنية في المجتمعات الإسلامية” فهو نوع من تجاوز “الحدود”، ويمكن أن يحمله البعض على أنه تدخل في الشأن الداخلي لدول مستقلة ذات سيادة… إلخ. والحق أن الواقع يقدم ألف مثال على كون الولايات المتحدة، تتدخل فعلاً بأشكال مختلفة وعلى مستويات في هذه الدول: حكومات ومنظمات… إلخ. والحق أيضاً أن الواقع يقدم ألف مثال على وجود “شراكة”، بصورة ما، بين هذه الدول وحكوماتها ومنظماتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وبين “أميركا”، وتجدها، إن لم يكن كلها فجلها، متحالفة أو قابلة للتحالف معها! فما الداعي إذن إلى توجيه الدعوة، في خطاب أوباما، إلى هذه الحكومات والمنظمات الأهلية، للدخول في “شراكة” مع الأميركيين؟!

أعتقد أن ها هنا تعميماً يراد به التغطية على “الجهة” التي يتوجه إليها الخطاب بالدعوة إلى التعاون. وإذا نحن فحصنا “الجهات” التي تذكرها هذه الدعوة أي “المواطنين والحكومات والمنظمات الأهلية والقيادات الدينية والشركات التجارية والمهنية في المجتمعات الإسلامية”، فسنلاحظ بسهولة أن جميع هذه الجهات تتعاون فعلاً ولا تحتاج إلى دعوة، باستثناء جهة واحدة، أطلق عليها اسم “القيادات الدينية”. وإذن فخطاب أوباما يدعو “القيادات الدينية” في العالم الإسلامي إلى التعاون مع أميركا على غرار “المنظمات الأهلية والشركات التجارية والمهنية”. ويزكي هذا كون الخطاب يلجأ إلى استحضار اسم القرآن الكريم وذكر آيات أو أجزاء منها بصورة لا تخلو من تكلف، ولا تهم في شيء “الجهات” الأخرى، أقصد “المنظمات الأهلية والشركات التجارية والمهنية”. يبقى سؤال أخير في هذا السياق: ما المقصود بـ “القيادات الدينية”؟ هل هي تلك التي ترفع شعار “الوسطية” أم تلك التي تنخرط بصورة أو بأخرى في استراتيجية “القاعدة”؟ أعتقد أن “ما بين السطور” يشي بأن المقصود هو هذا الصنف الأخير. إن إشارة “خطاب أوباما” إلى مشاركة الولايات المتحدة في إسقاط حكومة مصدق المنتخبة، تأييداً للشاه، كان بسبب البترول كما هو معروف، ولكن التذكير بذلك اليوم لا يمكن أن يكون الهدف منه مجرد الاعتراف بأن الولايات المتحدة قد ساهمت في التوتر الذي ساد علاقاتها مع إيران، فهذا شيء بديهي. ولا معنى له في عالم ممارسة السياسة في الخطاب. لذلك أعتقد أن المقصود بالتذكير بمساهمة أميركا، مساهمة حاسمة، سنة 1953، في الإطاحة برئيس الحكومة المنتخب الدكتور مصدق وإنقاذ ملك الشاه هو الإشارة إلى الجانب الذي دخل في “الشراكة” معها في تلك العملية، أي “القيادات الدينية” وعلى رأسها آية الله الكاشاني. وهذا معناه أنه كما تعاونت أميركا من قبل مع القيادة الدينية في إيران من أجل الإطاحة بالإصلاحيين آنذاك، حفاظاً على مصالحها البترولية، يمكن أن تفعل الشيء نفسه، مع أية قيادة دينية أخرى، في إيران أو غيرها، تتخذ الموقف ذاته، إذا اقتضت ذلك حماية المصالح الأميركية.

وبعد هذا ننتقل مع خطاب أوباما إلى خاتمته.

يستهل خطاب أوباما خاتمته بالإشارة إلى المسائل السبع التي شكلت فيه صلب الموضوع، قائلا: “إن معالجة الأمور التي وصفتها لن تكون سهلة ولكن علينا مسؤولية أن نتحد ونعمل معاً لتحقيق العالم الذي نطمح إليه”.

ثم يحدد مواصفات هذا العالم في خمس كما يلي:

1- “عالم لا يكون فيه شعبنا واقعاً تحت تهديد المتطرفين”.

2- “عالم يكون فيه الجنود الأميركيون قد عادوا إلى بلادهم”.

3- “عالم يعيش فيه الفلسطينيون والإسرائيليون في أمن وأمان، كل في دولة خاصة به”.

4- “عالم تستعمل فيه الطاقة النووية لأغراض سلمية”.

5- “عالم تخدم فيه الحكومات شعوبها، وتحترم فيه الحقوق”.

واضح أن هذا العالم الذي يدعو خطاب أوباما العرب والمسلمين إلى العمل سويّاً من أجل تشييده، هو “عالم أميركا” قبل كل شيء (العنصر الأول والثاني، أما العناصر الأخرى فهي عامة ولا جديد فيها).

وتشير خاتمة هذا الخطاب إلى وجود “مشككين” في إمكانية تحقيق مثل هذا “العالم”، وتعترف بأن “المخاوف كثيرة وانعدام الثقة كبير”، وتضيف: “ولكننا لن نتقدم أبداً إلى الإمام إذا اخترنا التقيد بالماضي”. ولابد من التنبيه هنا إلى أن عبارة “التقيد بالماضي” لا تحمل هنا نفس الدلالة التي تحملها عندما ترد على لسان خصوم السلفية في الفكر العربي والإسلامي الحديث والمعاصر. وهذا المعنى لا معنى له في الفكر الأميركي المنتج لهذا الخطاب. وإذن فمعنى “الماضي” في سياق خطاب أوباما هو الماضي/ الحاضر، هو تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي (اغتصاب فلسطين واحتلال أرضها وتشريد سكانها)، وأيضاً تاريخ تدخلات أميركا في إيران وغيرها خلال الحرب الباردة والآن… الخ، ذلك هو الماضي الذي يدعو خطاب أوباما إلى عدم التقيد به، إلى نسيانه…

*   *   *

وبعد فقد حرصنا منذ المقال الأول في هذه السلسلة على التأكيد بأننا سنتعامل مع “خطاب أوباما” لا كخطاب يعبر عن نوايا صاحبه المنسوب إليه، بل كنص نسجته الإدارة الأميركية بكل مكوناتها (الفهم الأميركي للأمور، مصالح القوى الفاعلة من “جمهوريين” و”ديمقراطيين”، الضغوط الممارسة عليها خاصة من اللوبيات الإسرائيلية… إلخ). وهذا كله كشفنا عنه أو اكتشفنا عنه من النص الذي لا يمكن اعتباره معبراً عن رأي أوباما وحده ولا عن رأي “الديمقراطيين” وحده… إلخ. إنه نص يعبر عن الموقف الأميركي الثابت… الموقف الذي تحدده خطوط حمر لا يجوز لأي رئيس أميركي تجاوزها.

وإذا كان هناك من فرق بين “خطاب بوش” و”خطاب أوباما” فليس فرقاً في الشكل، فالشكل والمضمون هنا واحد. وإنما الفرق كل الفرق في “اللهجة”، لا غير. “خطاب بوش كان يعتمد “الترهيب” أما “خطاب أوباما” فهو، بالعكس، يعتمد “الترغيب”. أما الموضوع فواحد: دفع العرب إلى “التنازل”.

“ترغيب العرب في التنازل” واضح في الخطاب كله: وكما قلنا سابقاً فالخطاب يعتبر المبادرة العربية، مثلاً، “بداية مهمة”، ولكنه يطالبهم بمزيد من “التقدم إلى أمام” على نفس الخط “لمساعدة الشعب الفلسطيني على الاعتراف بشرعية إسرائيل”. لقد كان المنطق يقتضي، أن يوجه خطاب أوباما هذا الكلام إلى “إسرائيل” ويقول: “المبادرة العربية بداية مهمة، وعليكم أنتم أيها الإسرائيليون أن تسيروا في نفس الخط وتتنازلوا من جهتكم تنازلاً يساعد الشعب الفلسطيني على الاعتراف بشرعية دولتكم”.

هذا ما ليس في مستطاع أوباما..

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

شهيد واصابتان برصاص الاحتلال في أريحا

شهيد واصابتان برصاص الاحتلال في أريحا

أريحا - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مواطن وأصيب آخران بجروح - فجر الثلاثاء- برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي، خلال اقتحامها أريحا. وأكد مدير...