الخميس 25/أبريل/2024

تبرئة العدو الجذري

تبرئة العدو الجذري

صحيفة الخليج الإماراتية

منذ أشهر والسجال الفلسطيني يدور حول معتقلين في الضفة والقطاع، وحجب هذا السجال إلى حد كبير أحد عشر ألف أسير في سجون الاحتلال، وإذا رصد مراقب محايد ما يقوله الفرزدق عن جرير وما يرد به جرير على الفرزدق فإن أول ما يتوصل إليه بعد رحلة النقائض غير الشعرية هو تبرئة الاحتلال، مادام القتل والحصار والاعتقال وسبب التجويع هو فلسطينياً داخلياً، يتعلق بهذا الطرف أو ذاك من الفصائل التي كانت ذات فلسطين فصائل مقاومة الاحتلال ثم تحولت إلى مقاومة بعضها، ولا ندري لماذا يتجاهل الساسة والضليعون في فقه الاحتراب ما لهذه الأدبيات من تأثير بالغ السلبية في الأجيال الناشئة، ليس في فلسطين وحدها، بل على امتداد عالمنا العربي. فقبل هذا التصدع في الجدار الفلسطيني، والذي لم يسلم منه السقف، كان الأطفال يرضعون حليباً آخر، ويسمعون مفردات أخرى، لهذا أطلق عليهم اسم جنرالات الحجارة، والآن استبدل بذلك الزمن الحر رغم تراجيديته زمن أصغر مرتهن لا نسمع فيه على مدار الساعة غير فلان يهجو علاناً، ويرد علان الصاع صاعين كما يقال، فالحرب كان يمكن لها أن تكون “دونكيشوتية” لولا أن السيوف تتكسر على عظام الضحايا بدلاً من أن تتكسر على طواحين الهواء.

إن البعد التربوي لهذه الأنماط السائدة من السجال والمباراة بالذخيرة الكلامية الميتة، أخطر بأضعاف مما يتصور اللامبالون والذين يعيشون من وجبة إلى وجبة، ومن تعليق متلفز إلى آخر.

لقد أصبح المشهد الفلسطيني مسلياً لمن يبحثون عن مباريات من طراز غير مألوف، والعدو الذي كان ذات مقاومة مشتركاً أصبح الآن ملتبساً وبحاجة إلى إعادة تصنيف، وهذه مناسبة لاستذكار موقف يجب أن يقال. ففي حوار شارك فيه الصديق الباقي محمود درويش، ذهب أحدهم بعيداً في عشق السلام بشروط المحارب، والمحارب بالطبع هو الطرف الآخر المضاد قال هذا المتطرف في سلامه وليس في سلاحه، إن الصهيونية ليست عدواً لنا، فقاطعه محمود بسؤال منطقي وهادئ هو، هل يمكن لإنسان أن يعقد سلاماً مع صديق أو حليف؟ إنك إذ تتحدث عن سلام موعود مع “الدولة العبرية” تفترض أساساً بأنها عدو.. أو على الأقل هي عدو حتى الآن.. وانفعل محمود ووضع فنجان قهوته بقوة على المائدة وقال لعاشق السلام بشروط المحارب، إذا كنت مصراً على ما قلت فأنت خائن، وما من كلمة أخرى يمكن أن تقال في هذا السياق.

وكان محمود الذي كتب عام الاجتياح عندما تحول لبنان إلى جمرة مقاومة.. كم كنت وحدك.. لكنه بعد اشتباك حماس وفتح قال.. كم أنت غيرك، وكأن هناك شيئاً شيطانياً ترجم الفلسطيني إلى سواه، فالبوصلة أصابها العطب ومثلما أخطأ الحجر طريقه ضل الرصاص أيضاً هدفه.

فيا من كنت وحدك.. ثم صرت غيرك.. عد إليك، كي يعود الناس جميعاً إلى صدرك الذي كان بابهم الحر في زمن الاجتياح والحصار.

إن حاصل جمع التعليقات والتصريحات والمباريات المتلفزة بكرة الرأس لا القدم يفضي حتماً إلى تبرئة الاحتلال، مادام السجن والتجويع والقتل والمطاردة هي سلسلة أفعال انتحارية يقوم بها فلسطينيون انشطروا إلى هابيل وقابيل لكن على فوهة البركان.

الإنسان حين يصبح “سواه” يغترب وقد يمشي على رأسه بدلاً من قدميه، والخاسر الأكبر من كل هذا هي فلسطين بأرضها وشعبها، والرابح الأوحد هو الاحتلال.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات