عاجل

الأربعاء 24/أبريل/2024

ملهاة الحوار الوطني الفلسطيني

ملهاة الحوار الوطني الفلسطيني

صحيفة القدس العربي اللندنية

لم تعد وسائل الإعلام تهتم بمجريات الحوار الوطني التي تعقد بين الحين والآخر في القاهرة، وهذا مؤشر واضح على عدم اهتمام الرأي العام الفلسطيني بها، وربما العربي والدولي كذلك. فبعد أن انعقدت الآمال على هذا الحوار في أعقاب الحرب على غزة، وبعد أن استنفذت كل الجهود خلال أكثر من عامين لجمع الطرفين المتخاصمين لبدء الحوار، وبعد أن استبشر القاصي والداني بالتقارب الذي حدث في بداية الحوار، حيث أعلنت الأطراف أن معظم الملفات قد أنجزت، ها هي جلسات الحوار تدخل في نفق مظلم لا يبدو شعاع أمل في نهايته.

ليس هناك أدنى شك في أن المواطن الفلسطيني يعيش حالة إحباط غير مسبوقة جراء الانقسام وتداعياته، وجراء الإعلان غير المبطن في كل جلسة حوار عن فشل الجهود لإنهاء هذا الوضع الشاذ على الساحة الفلسطينية، ووضع حد لهذا الانقسام. بل إن ما يجري من لقاءات متباعدة، تفصل بين كل منها شهر أو يزيد، تدل على أنها أضحت ملهاة ومأساة في آن واحد، على الأقل في نظر الإنسان الفلسطيني. والواضح كذلك أن ما يسعى الطرفان لتسويقه للرأي العام لا يلقى قبولاً على الإطلاق لدى المواطن البسيط الذي يدفع الثمن غالياً جراء استمرار الانقسام. والأفظع من ذلك هو أن هذه المماطلة لإنهاء الانقسام من شأنها تكريس هذا الواقع الشاذ، وتكريس تداعياته ونتائجه الكارثية على القضية والشعب على حد سواء.

وفي هذه المقالة، أنقل إلى صناع القرار، وإلى المتحاورين، عدة نقاط تدور في ذهن المواطن الفلسطيني، ويتداولها الناس في كل مكان.

أولاً: لماذا تستغرق جلسة الحوار يوماً أو يومين، ثم يتم الاتفاق على اللقاء بعد أربعة أو خمسة أسابيع؟ الحوار يمكن أن يتواصل لأيام وأسابيع، ويمكن أن يتم تجاوز الكثير من الخلافات خلال الفترة الزمنية أقصر بكثير من الفترة التي انقضت لغاية الآن. أما التأجيل، فيمكن أن يتم لأيام أو لأسبوع على أقصى تقدير. فما هو التغيير الذي يمكن أن يحدث لدى أي من الطرفين خلال خمسة أسابيع؟ وما هو المأمول أن يستجد خلال هذه الفترة من أمور تجعل بالإمكان حصول اتفاق في اللقاء التالي؟ وفي المقابل، هل يعي المتحاورون أن هناك ثمناً باهظاً يدفعه الشعب الفلسطيني جراء إطالة عمر الانقسام من معاناة وآلام؟ وأن “إسرائيل” تحقق مكاسب طالما بقي الانقسام قائماً؟

ثانياً: لقد برر الطرفان مسألة تأجيل جلسات الحوار بأن ملف المعتقلين السياسيين لم يعالج بعد، حيث قالت حماس إنه لن يكون بالإمكان إنجاز الحوار في ظل استمرار الاعتقالات السياسية، في حين قالت فتح إن الجهود يجب أن تنصب على إنجاز الاتفاق أولاً، الأمر الذي ينهي مسألة الاعتقالات السياسية كنتيجة طبيعية للاتفاق. ومن الواضح للجميع أن هذه السجالات التي استغرقت عدة أشهر، كان يمكن حسمها بإنجاز الاتفاق، وإنهاء الخلاف، ومعالجة كافة تداعيات الانقسام. كان يمكن بالفعل اختصار الوقت، والبحث في الأمور الجوهرية، التي قال عنها عدد من المتحاورين بأنها بسيطة، وأنه بالإمكان الاتفاق عليها، الأمر الذي يمكن أن ينهي مسألة الاعتقالات السياسية وغيرها من الأمور التي ترتبت على الانقسام.

وهناك أمر آخر، وهو أنه يمكن الحوار في أكثر من مسألة في نفس الوقت. فيمكن للجان إنجاز المسائل الجوهرية، وفي الوقت نفسه يمكن للجان أخرى أن تبحث في المصالحة والاعتقالات السياسية وغيرها من الملفات.

ثالثاً: يتساءل المواطن الفلسطيني فيما إذا كان للأطراف المتحاورة مصلحة في تأجيل الوصول إلى المصالحة. فهل اختلف الطرفان في جميع القضايا، واتفقوا على الاختلاف، حسب المثل المتداول اتفق العرب على ألا يتفقوا؟ لا نبالغ إذا قلنا إن كثيراً من الناس يقولون أن الاتفاق قد يضر بوضع الطرفين، وبالمكاسب التي حققاها في جناحي الوطن. وبالرغم من أن مثل هذا الكلام قد يكون تبسيطاً للأمور، إلا أن ما يحدث من جدل بيزنطي في الحوار، ومن تأجيل متوال، ومن إهمال لجوهر القضية الفلسطينية ولمصالح المواطنين، يرسم علامات استفهام كبيرة على جدية الطرفين في إنهاء الانقسام والوصول إلى حلول تخدم مصالح الشعب وقضاياه المصيرية.

رابعاً: أين هي الفصائل الأخرى في الحوارات الجارية في القاهرة؟ لماذا تستبعد القوى الفلسطينية الأخرى، والتي تعد عنصراً فاعلاً في الواقع السياسي، بل جزءاً لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والسياسي الفلسطيني؟ صحيح أن الانقسام حصل نتيجة الخلاف بين فتح وحماس، وصحيح كذلك أن هاتين الحركتين لهما وزن كبير على الساحة الفلسطينية، ولكن من المهم كذلك التذكير بأن أي اتفاق في ظل تغييب الأطراف الأخرى لن يجد طريقه للنجاح.

خامساً: هناك غياب واضح، وربما متعمد، للدور العربي، باستثناء القاهرة، في الحوار الوطني الفلسطيني. وهذا الغياب يمثل الحالة العربية المترهلة، والانقسام الذي أظهرته الحرب على غزة. لقد كان من المتوقع أن تلعب الدول المتابعة لمجريات الأحداث في فلسطين، والمنخرطة في تفاصيل هذه الأحداث، مثل الرياض ودمشق وعمان والدوحة، دوراً فاعلاً في دفع عملية المصالحة، وتذليل العقبات أمام المتحاورين. ولكن هذا الدور غاب بشكل كامل. لقد أسهمت مأساة الواقع العربي في خلق ملهاة الحوار الفلسطيني، وتركته ليواجه مصيره، دون أن تسعى لإيجاد مناخ ملائم، وتوفير الأجواء المناسبة لإنجاح الحوار.

سادساً: المرحلة القادمة ستكون حافلة بالأحداث، الأمر الذي يستدعي الإسراع في إنجاز المصالحة الوطنية، وليس التأجيل لفترات طويلة، والتراخي في الحوار. فهناك، كما يقول البعض، استحقاق سياسي هو الانتخابات التشريعية والرئاسية. وهناك الضغوط الأمريكية والإسرائيلية على الدول العربية لتطبيع علاقاتها مع “إسرائيل”. وهناك معركة الاستيطان التي تتطلب رص الصفوف وحشد الطاقات من أجل وقف الاستيطان. وهناك مسائل ملحة، أهمها رفع الحصار عن غزة وإطلاق عملية الإعمار. وهناك أمر أكثر إلحاحاً، وهو المواطن الفلسطيني الذي بدأ يشعر بضياع قضيته وتلاشيها خلف الخلافات الفلسطينية التي طفت على السطح.

إن أحوج ما نحتاجه من المتحاورين هو أن يشعروا بما يجري على الأرض الفلسطينية، حيث يعيش المواطن الفلسطيني واقعاً صعباً وأياماً أليمة، هي ربما الأكثر تعقيداً منذ سقوط فلسطين في يد المحتل. المواطن يعاني من سوء الوضع الاقتصادي، وفقدان الأمان، وتراجع الثقة بقياداته السياسية، وفقدان البوصلة، والتشتت بين التيارات والبرامج السياسية المتصارعة.

وهنا يأتي دور القوى السياسية في استعادة زمام المبادرة، وتدارك الوضع المتدهور، والعمل بكل قوة على تجاوز هذه الحالة المتردية التي وصلنا إليها. والأمر يحتاج إلى جرأة وقدرة على التعاطي بإيجابية مع مسألة الانقسام، وتغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الحزبية. الأمر قد يحتاج إلى درجة أعلى من المرونة، ومستوى أقل من المناورة، وحسن الظن بين أطراف الخلاف، وتعزيز الثقة بينها. فالتنازل للإخوة ليس منقصة، والتراجع عن المواقف الخاطئة ليس عيباً، بل هو عين الفضيلة. وفي الواقع الفلسطيني نحتاج إلى كل ذلك بشكل ملح، لأن التناقض الجوهري، والتحدي الأساسي يكمن في إنهاء الاحتلال، وإقامة الدول المستقلة، وكل ما عدا ذلك إنما هو انحراف عن الطريق المؤدي إلى الهدف، وإطالة لعمر الاحتلال.

إن حركة فتح مدعوة إلى المزيد من المرونة، وقدرة أكبر على تذليل الصعوبات التي تحول دون تحقيق المصالحة الوطنية.

وحركة حماس مدعوة أيضاً إلى ممارسة درجة أكبر من الواقعية السياسية، والتعاطي مع ملفات الحوار بإيجابية في ضوء المصلحة الوطنية. ومطلوب من الأطراف جميعاً البدء في خطوات عملية لإنهاء الانقسام. فما المانع من توقيع اتفاق على النقاط التي تم إنجازها؟ والاستمرار، ولكن بشكل حثيث، لإنجاز ما تبقى من أمور؟ أليس البدء في تغيير الواقع على الأرض، وتنفيذ خطوات في طريق المصالحة أولوية ملحة لإنهاء الانقسام؟

قسم الصحافة جامعة النجاح الوطنية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة

الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة

الضفة الغربية - المركز الفلسطيني للإعلام شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي - فجر الأربعاء- حملة دهم في أرجاء متفرقة من الضفة الغربية واقتحمت العديد من...