الخميس 28/مارس/2024

حزب صهيوني يتآكل وآخر قيد التبلور

حزب صهيوني يتآكل وآخر قيد التبلور

صحيفة البيان الإماراتية

يلحظ المتتبع لشؤون الخارطة الحزبية الإسرائيلية، تواصل هبوط الحضور المجتمعي لحزب العمل الإسرائيلي، بعد أن بات جزءاً لا يتجزأ من التشكيلة الحكومية الائتلافية بقيادة بنيامين نتانياهو. كما يلحظ المتتبع أيضاً درجة «الذيلية» العالية التي أمست صفة دالة على سلوك حزب العمل في إطار علاقاته مع الليكود، خصوصاً بالنسبة للقضايا السياسية ذات الشأن العام، والمتعلقة بإدارة العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية.

وبالطبع فإن هذه الحال التي وصل إليها حزب العمل، تعود لجملة من الأسباب لها علاقة بأزمات الحزب الداخلية التي ضربت صفوفه منذ أكثر من عقد من الزمن، الأمر الذي دفع بعض الكتاب الإسرائيليين للقول بأن الحزب يحتاج الآن لفريق عمل طبي مختص ب«بالجراحة الدماغية»، لسبر أغوار الدوافع والمسببات التي دفعت قياداته وأدمغته، للانجرار وراء التحالف مع الليكود والافتراق عن حزب كاديما الذي يعتبر حزب الوسط في الخريطة السياسية والحزبية الإسرائيلية، ولمتابعة حال سفينة الحزب التي يبدو أنها تائهة لمن يشاهدها عن قرب.

وفي هذا السياق، فإن العديد من المؤشرات يشير إلى أن حزب العمل الإسرائيلي يتحرك الآن من موقف ضعيف إلى موقف أضعف، على صعيد الحضور والتأثير في المجتمع اليهودي على أرض فلسطين، خصوصاً مع النزيف المستمر في قياداته الأولى، ومنها بعض القيادات التاريخية التي لعبت دوراً مهماً ومؤثراً في تاريخ الحزب وحضوره وتأثيره.

فقد خرج أفراييم سنيه القيادي التاريخي من الحزب قبل أشهر، في ظل تواتر معلومات وتسريبات تحدثت أيضاً عن نية مشابهة لعدد من قادة الحزب السابقين الذين كان يمثلون تيار يسار الوسط، مثل أبراهام بورغ (وفي الواقع العملي أصبح خارج الحزب) وشلومو بن عامي وغيرهما، مع نيتهما العمل لتشكيل كتلة سياسية مشتركة مع حركة ميرتس، بعد لقاء جرى قبل مدة مع رئيسها حاييم أورون.

وقد جاءت هذه التحولات في سياق سلسلة من الانشقاقات والتصدعات المتتالية، التي وقعت داخل حزب العمل خلال العقد الأخير وأضعفته وقذفت به إلى الخلف، بعد أن كان الحزب المؤسس للدولة الصهيونية، والقائد الرئيسي للحروب التي شنتها “إسرائيل” على الدول العربية، خصوصاً حرب العام 1967 بقيادة ليفي إشكول، رئيس الوزراء وزعيم الحزب آنذاك.

وفي حقيقة الأمر فإن حزب العمل تحول إلى ثلاث مجموعات في السنوات الأربع الأخيرة: مجموعة توجهت نحو أرييل شارون وشكلت معه حزب كاديما، ومجموعة ثانية تقاعدت من الحزب والآن تعمل على العودة بالشراكة مع حركة ميريتس، بينما بقيت الثالثة في «العمل» برئاسة الجنرال إيهود باراك.

ومن نافل القول، الإشارة إلى أن الانشقاقات والتصدعات التي هزت وضربت حزب العمل من جذوره، لم تأت من فراغ، بل جاءت في سياقات واضحة تماماً، وفي مؤشر هام يدل على أن المجتمع الإسرائيلي منقسم على ذاته، ليس إلى اتجاهين اثنين فحسب، وإنما إلى اتجاهات عدّة. فقد تراجع حضور حزب العمل، بعد فشله في تقديم العديد من الأجوبة على التساؤلات التي باتت منذ عقدين من الزمن تطرق بقوة أبواب المجتمع الإسرائيلي.

وهي تساؤلات نتجت بشكل رئيسي بعد التحولات الكبرى التي صنعها الكفاح الوطني الفلسطيني، وانتقال القضية الفلسطينية والمطالب العادلة للشعب الفلسطيني، من طور النسيان والإهمال إلى طور الحضور على طاولة وأجندة المجتمع الدولي.

إضافة لفقدان الحزب لهويته السياسية، واندغامه في سياسات الليكود ومجوعة كاديما التي كانت قد خرجت بمعظمها من رحم «العمل» قبل أربع سنوات.

فالطريق الذي اختاره حزب العمل برئاسة باراك في السنوات الأخيرة، شكل تضارباً تاماً مع السياسة المعلنة للحزب، بل وتعهداته وتعهدات الحكومة الإسرائيلية للرباعية الدولية في إطار خريطة الطريق.

كما تتهم مصادر المغادرين «حزب العمل» بأن اندماجه في سياساته مع الليكود وكاديما، وتعاونه عملياً مع أرييل شارون في مشروع «تصفية السلطة الفلسطينية»، هو الذي شق الطريق لوصول حركة حماس إلى أغلبية في المجلس التشريعي الفلسطيني.

وقبل الانشقاق الأخير لعضو الكنيست أفراييم سنيه عن حزب العمل، كان عضوان سابقان، هما النائبان الإسرائيليان البارزان عن حزب ميرتس، يوسي بيلين (20 سنة عضواً في الكنيست) وران كوهين (24 سنة عضواً في الكنيست)، قد أعلنا عن انسحابهما من الحياة السياسية الإسرائيلية، في عملية بعيدة عن الإقصاء أو الانشقاق، وهما المعروفان بنشاطهما السياسي في إطار ما يسمى بقوى اليسار الصهيوني، وكانا قد لعبا دوراً مهماً في صياغة وتشريع العديد من القوانين ذات المحتوى الاجتماعي في “إسرائيل”.

فقد اعتزلا السياسة بسبب ما أسمياه «خيبة الأمل» من المستقبل السياسي المكفهر ل”إسرائيل”، معتقدين بأن استقالتهما عبارة عن صرخة علها أن تسهم في «الدفع بدم جديد لحركة ميرتس، وتنمية قيادة جديدة، وبالتالي تعزيز معسكر اليسار الصهيوني الهزيل»، بعد الأزمات الفكرية والسياسية القاسية التي باتت سمة من سماته.

وهي أزمات حولته من حزب معارضة علمانية قوية نسبياً، إلى حزب ذيلي نتيجة عجزه في تقديم الإجابات على المسائل المطروحة في الساحة السياسية الإسرائيلية، الغارقة في جنوحها اليميني، واليميني المتطرف.

ومن المتوقع أن يغادر الحزب خلال الفترة القادمة بعض الشخصيات المؤثرة فيه من محبطي حزب العمل، إلى مواقع حركة ميرتس المصنفة على خارطة أحزاب اليسار الصهيوني، أو المبادرة لإقامة حركة يسارية جديدة، تتوحد تحت سقف واحد مع حركة ميرتس، في حين وصف إيهود باراك التنظيم الجديد المتوقع بأنه «هروب لليسار، وموضة»، بينما يوجد حسب قوله داخل حزب العمل «مكان يوجد له طريق وقيم».

وعليه، فليس من المستبعد أن تخرج الفترة القادمة بقائمة جديدة محسوبة على اليسار الصهيوني، يتبلور عبر إعلانها حزب يساري صهيوني جديد، هدفه قضم المزيد من القوة الانتخابية لحزب العمل، ليكون موئلاً لآلاف الإسرائيليين الذين لا يجدون راحتهم في أي حزب حالي، وفق مصادر مغادري حزب العمل المنشورة على صفحات الصحف العبرية.

كاتب فلسطيني

[email protected]

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات