السبت 20/أبريل/2024

مشعل ونتنياهو.. وبينهما أوباما..!

مشعل ونتنياهو.. وبينهما أوباما..!

صحيفة الشرق القطرية

جاء خطاب نتنياهو، في جامعة بار إيلان، خطاباً صهيونياً عنصرياً نتناً، كما هو متوقع منه، لدى الشعب الفلسطيني والشعوب العربية. لكنه مفيد لأنه بان عن حقيقة الموقف الإسرائيلي الصهيوني، المُستخف بـ”جهود السلام” و”حل الدولتين”. وهو نفسه موقف المعارضة، بزعامة كاديما، لكن تسيفني تطرحه بإغواء مكيد. أما نتنياهو فهو جليِّ في صهيونيته وعنصريته إلى حد الوقاحة. كما أن ائتلاف حكومته اليمينية المتطرفة يعكس عنصرية غالبية الإسرائيليين ورفضهم للسلام العادل. ومفيد لأنه فضح المراهنين من الفلسطينيين على المفاوضات. فها هم، بعد سنوات مديدة من المفاوضات التي تعقب المفاوضات، دون أن يحققوا شيئاً ملموساً لصالح الفلسطينيين، يجدون أنفسهم، في العهد النتنياهوي، ملزمين بالاعتراف ب”إسرائيل” دولة للشعب اليهودي، قبل الدخول في مفاوضات بشأن إقامة دولة فلسطينية، تكون في نهاية مطاف المفاوضات المفتوحة، إذا ما انتهى مطافها، دولة منزوعة السلاح، وكل معابرها مع الخارج خاضعة للسيطرة الإسرائيلية، ولا سيادة لها على الأجواء، فيما تبقى القدس “موحدة وعاصمة لدولة إسرائيل”، وحيث لا عودة للاجئين، ولا تفكيك للمستوطنات… وعدا ذلك، يقول نتنياهو: أهلاً بالمفاوضات مع أبي مازن وزمرته على إقامة الدولة الخردة. ولكن عليهم كما يأمرهم بيبي: “أن يختاروا ما بين طريق السلام وطريق حماس.. على السلطة الفلسطينية أن تفرض القانون والنظام.. وأن تتغلب على حماس..”. أما “عرب التسوية” فهم مدعوون من طرف “بيبي” إلى “السلام الاقتصادي”، وتكوين جبهة عربية إسرائيلية لمواجهة “الخطر الإيراني المشترك”. أما الذين ذهبوا بعيدا في انبهارهم بأوباما وخطابه في جامعة القاهرة كأنهم في حضرة ولي صالح؛ فما عساهم يقولون الآن في ترحيب أوباما بخطاب نتنياهو واعتباره: “خطوة مهمة إلى الأمام”. و”حركة إيجابية من الممكن البناء عليها لإعادة إطلاق مباحثات جادة”!

إن خطاب نتنياهو الذي اعتبرته الإدارة الأوبامية” خطوة مهمة إلى الأمام”، ووصفه الاتحاد الأوروبي بأنه “خطوة في الاتجاه الصحيح”، هو، في حقيقته البينة، تراجع إلى الخلف بخطوات كبيرة. تراجع إلى الإيديولوجية الصهيونازية العنصرية النتنة. لكنه النفاق الأمريكي ـ الأوروبي إياه، في مراعاة الموقف الإسرائيلي على حساب حقوق الفلسطينيين والعرب. إذ أن الترحيب بخطاب نتنياهو، يعني ترحيباً بمبدأ يهودية دولة “إسرائيل” وما يضمره، هذا المبدأ، من توجه مدروس لتهجير فلسطينييّ الـ 48. وترحيباً، ضمنياً، بتوجهات نتنياهو وحكومته اليمينية بشأن استمرار البناء في المستوطنات بحجة النمو الطبيعي. وبالتالي الاستمرار في احتلال الأراضي الفلسطينية والتنكيل بالفلسطينيين وإذلالهم.

 وهو خطاب احتقار لـ”السلطة الوطنية الفلسطينية”، رغم كل ما بذلته من تعاون أمني وثيق من أجل إرضاء “إسرائيل” وخدمة أمنها. إذ تحولت من مفهوم سلطة وطنية إلى سلطة أمنية، بإشراف الجنرال دايتون، مهمتها مطاردة المقاومين واعتقالهم، وحتى قتلهم، مرضاة ل”إسرائيل” وأمريكا. وبحجة تطبيق التزامات خارطة الطريق، التي لم تقد إلا إلى جدار الفصل العنصري. والوعد البوشي بـ”دولة فلسطينية”، الذي لم يكن إلا حملاً كاذباً. وها قد تم ترحيله، بعد ولايتين بوشيتين، إلى العهدة الأوبامية. فماذا عسى أبو مازن وزمرته فاعلون لمواجهة خطاب نتنياهو؟! هل سيوقفون التنسيق الأمني الخدمي مع “إسرائيل”، ويقبلون بحكومة وحدة وطنية على أساس “وثيقة الوفاق الوطني”؟!. أم سيواصلون انصياعهم للإملاءات الإسرائيلية. فيمضون في معاداة حماس والمشاركة في محاصرتها لإجبارها على التخلي عن خيار المقاومة، والقبول بخيار المفاوَضة، وما يترتب عليه من اعتراف ب”إسرائيل” والتزام بالاتفاقيات الموقعة معها من طرف السلطة الفلسطينية….!

(2)

ظهر خالد مشعل في خطابه الذي ألقاه في دمشق، يوم الخميس 25-6-2009، قائداً وطنياً للشعب الفلسطيني، وليس مجرد رئيس مكتب سياسي لفصيل فلسطيني، وإن كان في حجم حركة حماس، التي تقود حركة التحرر الوطني بعدما تخلت فتح عن نهج الكفاح المسلح، وشطبت روح ميثاقها، وتحولت إلى “سلطة وطنية” تراهن على المفاوضات وحدها. تمارس الفساد المالي والسلطوي. مرتهنة للإملاءات الإسرائيلية والضغوط الأمريكية، ومصالح عرب أمريكا. ولم تتوقف في تعاونها مع “إسرائيل” عند التنسيق الأمني فقط. إنما اندمجت في مشروع أمريكي ـ إسرائيلي ـ بعض عربي، بقيادة الجنرال دايتون الذي صرح بأنه يقود قوة أمنية فلسطينية من ثلاث فرق، تضم خمسة عشر ألف مسلح فلسطيني، عقيدتهم الأمنية: تصفية المقاومة..!

قدم مشعل خطاباً إستراتيجياً بامتياز، يعكس موقف معظم الشعب الفلسطيني، في الداخل والشتات، من خطابي باراك أوباما وبنيامين نتنياهو. ويقوم على رؤية وطنية دقيقة، تجيد قراءة المواقف والمتغيرات السياسية من منظور ثوابت الشعب الفلسطيني غير القابلة للمساومة. وتدرك أن ما قد يُلمس من تغيير في لغة الخطاب الأوبامي إنما تأتى عن: “الصمود العنيد لشعوب المنطقة الحية حين قاومت في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان ورفضت المحتلين وإملاءات الغزاة، فأحبطت سياسة الإدارة السابقة ومحافظيها القدامى والجدد، وحوّلت مغامراتها في الهيمنة والحروب الاستباقية إلى فشل ذريع وغرق في أوحال المنطقة وأزمات متلاحقة، مما دفع الناخب الأمريكي إلى خيار التغيير لحماية مصالحه.”. وهكذا قراءة لا تُستمال إلى سحر الخطابة الأوبامية. فمفعول اللغة، كما قال مشعل، مؤقت وعابر. ومعيار الحكم على التغيير هو مدى تمثله في السياسات على الأرض. حيث على الأرض الاحتلال والحصار والإذلال للشعب الفلسطيني، ونتنياهو بحكومته الصهيونازية، وخطابه العنصري الكريه، الذي لم يجد أوباما غضاضة في الترحيب به. بينما لا يستحق أقله إلا الرفض. وهو ما عبّر عنه القائد خالد مشعل بلاءات روح الحق والمقاومة:

لا لدولة مسخ يُراد منها ولها أن تكون سجناً كبيراً “للاعتقال والمعاناة، وليست وطناً يصلح لشعب عظيم”.

ولا لفرض شروط الرباعية، التي هي شروط إسرائيلية، يؤدي القبول بها إلى فرض شروط جديدة لا تنتهي. والأصل أن تعترف “إسرائيل” رسمياً وعلناً بأنها دولة احتلال وأنها ستلتزم بالانسحاب الكامل من الأراضي الفلسطينية التي احتلتها يوم 5 يونيو 1967.

ولا لإقرار الشعب الفلسطيني أينما كان، في داخل الخط الأخضر أو خارج الخط الأخضر أو في نواحي شتات الأرض، بيهودية دولة “إسرائيل”.لأنه إقرار بدعوة عنصرية فاشية، تضمر مخططاً إسرائيلياً صهيونياً لتهجير فلسطينيّ 48 داخل الخط الأخضر. ولا للتخلي عن خيار المقاومة الإستراتيجي. فالسلام لا يمكن أن يكون خياراً إستراتيجياً دون قوة إستراتيجية. ومقاومة الشعوب تظل دوماً القوة الإستراتيجية الأمثل لدحر الغزاة والمحتلين. و”إسرائيل” مثلها مثل أي محتل غاشم لن تقر بحقوق الفلسطينيين كما يريدونها إلا عندما تدمغ المقاومة الفلسطينية الوعي الصهيوني بأن لا أمن ولا سلام ل”إسرائيل” وشعبها إلا بالتسليم بإنهاء الاحتلال ورد الحقوق إلى أصحابها. ولا للتفاوض كما تريده “إسرائيل”. مجرد تفاوض للتفاوض لا طائل من ورائه. أو مجرد إطلاق وعود هي محض أوهام. بينما الحق الفلسطيني بيّن والظلم الإسرائيلي بيّن. وعلى الإدارة الأمريكية الأوبامية إذا أرادت حلاً حقيقياً وعادلاً للقضية الفلسطينية أن تُلزم “إسرائيل” بإنهاء احتلالها كي يتمكن الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره واستحقاق حقوقه الوطنية بكرامة. فقضية فلسطين كما يقول خالد مشعل في خطابه: “ليست قضية حكم ذاتي وسلطة وعلم ونشيد وأجهزة أمنية وأموال من المانحين. قضية فلسطين هي قضية وطن وهوية وحرية وتاريخ وسيادة على الأرض، وهي كذلك القدس وحق العودة. والأرض عندنا أهم من السلطة، والتحرير قبل الدولة.”..

ولا للتوطين والوطن البديل. فلا بديل عن فلسطين إلا فلسطين.

ولا لمصالحة فلسطينية تلفيقية تلبية للاشتراطات الخارجية، ونزولاً عند تدخلات “عرب التسوية”، ونعم للمصالحة الفلسطينية على أساس الثوابت الوطنية وحماية المقاومة.

ومن هنا جاءت رؤية حماس للدولة الفلسطينية، على لسان قائدها، واضحة بلا لبس ولا تلبيس. مبنية على وثيقة الوفاق الوطني، التي تقبل بدولة فلسطينية عاصمتها القدس، ذات سيادة كاملة على حدود الرابع من حزيران عام 1967 بعد انسحاب قوات الاحتلال وإزالة جميع المستوطنات منها، وإنجاز حق العودة، بما هو: “حق وطني عام وحق فردي يملكه بشكل شخصي خمسة ملايين لاجئ، ولا يستطيع أي قائد أو مفاوض التفريط فيه أو التنازل عنه.”…

وهكذا يكون القادة. وهكذا تكون حركة التحرر الوطني، مبدئية صميمية. أولويتها ليست اعتراف العدو وحلفائه بها، إنما إجبار عدوها على الاعتراف بحقوق شعبها وحقه في تقرير المصير. فالقضية، حسب القائد خالد مشعل: “مقدمة على الحركة، ومصلحة الوطن فوق كل المصالح، ولا يحق لأية قيادة أن تجعل ثمن الاعتراف بها التنازل عن الحقوق والمصالح الوطنية.”..!

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات