السبت 20/أبريل/2024

أرجوك لا تتحدث باسمنا

أرجوك لا تتحدث باسمنا

عندما يعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أنه لا يريد العودة إلى مسقط رأسه صفد في الجليل، ويختصر فلسطين في الضفة الغربية وقطاع غزة، فإنه يقدم تنازلات مجانية ويفرّط بالثوابت الفلسطينية من أجل إرضاء الإسرائيليين، في ازدراء واضح للشعب الفلسطيني ولمشاعره الوطنية.
فإذا كان الرئيس عباس لا يريد العودة إلى صفد، والبقاء في رام الله، أو العيش في بيته في عمان فهذا قراره الشخصي، ولكنه في هذه الحالة لا يجب أن يتحدث، أو يدعي تمثيل ستة ملايين لاجئ فلسطيني ينتشرون في مختلف بقاع الأرض، علاوة على الأراضي المحتلة في الضفة والقطاع ودول الجوار.
فكيف يمكن أن نتوقع من الرئيس عباس أن يدافع عن حق العودة بجدية وتفان وهو الذي لا يؤمن بهذا الحق، ولا يريده لنفسه ولأولاده وأحفاده، وكل هذا من أجل كسب ودّ أفيغدور ليبرمان، ونيل رضا بنيامين نتنياهو.
الرئيس عباس، إذا كان يريد فعلاً أن يكون رئيساً للفلسطينيين، ويتحدث باسمهم، فإن عليه أن يكون القائد القدوة الذي يحترم مشاعرهم ويحافظ على ثوابتهم، ويحترم أرواح شهدائهم الذين سقطوا في ميادين الكرامة والشرف، قبل أن تحتل “إسرائيل” الضفة وغزة، ومن اجل تحرير صفد وحيفا ويافا والقدس، وكل المدن والقرى والنجوع الفلسطينية المحتلة.
لا نعرف لماذا أقدم على هذا التنازل الخطير عن حق العودة الذي يعتبر أساس القضية الفلسطينية وجوهرها، ولا بدّ انه يعلم أن الثورة انطلقت من مخيمات اللاجئين ومن أجل استعادة هذا الحق، وإنصاف أهله، وتحرير الأرض المغتصبة من مغتصبيها.
*   *   *
إذا كان الرئيس عباس يعتقد أن استجداء الإسرائيليين بهذه الطريقة يمكن أن يثمر في نيل تعاطفهم، والتأثير بالتالي على نتائج الانتخابات المقبلة، فإنه يرتكب خطأ فادحاً، لأن تهافتاً عربياً سابقاً، تمثل في التقدم بمبادرة سلام مهينة، وتمت ترجمتها إلى العربية، وشنّ حملة إعلانية للقيام بنشرها في كل الصحف الإسرائيلية تحت ذريعة مخاطبة الرأي العام الإسرائيلي من وراء ظهر قادته، هذا التهافت المخجل الذي جاء ترجمة لنصيحة أوروبية وأمريكية، أعطى نتائج عكسية تماماً، تجسّدت في تصويت الإسرائيليين في الانتخابات الأخيرة لمصلحة الليكود بقيادة نتنياهو، و”إسرائيل بيتنا” بزعامة ليبرمان.
ماذا يفيد الرئيس عباس أن يكسب بعض الإسرائيليين مقابل خسران شعبه؟ هذا إذا افترضنا جدلاً أنه سيكسب هذا البعض، وإن كنا على قناعة راسخة بأن تنازلاته هذه ستقابل بالشفقة والاحتقار، وستفسر على أنها دليل ضعف وإفلاس.
ولعل ما هو أخطر من كل ما تقدم تعهد الرئيس عباس بمنع انفجار انتفاضة ثالثة في الأراضي المحتلة، وهذا يعني أنه سيقاتل شعبه جنباً إلى جنب مع قوات الجيش الإسرائيلي، وهي نهاية لا نريدها له كخاتمة لتاريخه السياسي.
ربما يفيد تذكير الرئيس عباس أن الرئيس حسني مبارك كان يملك مليون رجل أمن، وأن الرئيس التونسي زين العابدين بن علي كان يحكم تونس بأقوى جهاز أمني في المنطقة، والشيء نفسه يقال عن الرئيس بشار الأسد الذي يملك 17 جهاز مخابرات تستمد شهرتها من أبشع أنواع القمع والترهيب، ومع ذلك لم يستطع أي من هؤلاء منع انتفاضة شعوبهم المطالبة بالحرية والكرامة والتغيير الديمقراطي.
صحيح أن الرئيس عباس، ورئيس وزرائه سلام فياض أبدعا في تطبيق السلام الاقتصادي وتحويل الشعب الفلسطيني في الضفة ومعظم القطاع إلى عبيد للراتب الذي يدفعانه آخر الشهر لأكثر من 160 ألف موظف، ولكن هذه العبودية لن تعمر طويلاً، فها هو الشعب الكويتي الذي يعتبر من أغنى شعوب الأرض وأكثرها رفاهية، ينتفض ويطالب بالإصلاح السياسي، ويرفض مشاريع أميرية بتعديل الدوائر الانتخابية، وفرض نظام الصوت الواحد.
*   *   *
الشعب الفلسطيني لا يمكن، بل لا يجب، أن يقبل بهذا الهوان، في وقت تنتفض فيه الشعوب العربية للمطالبة بحقوقها، وهو الذي يعيش اذلالين في الوقت نفسه، اذلال الراتب واذلال الاحتلال.
الرئيس عباس، ومنذ عشرين عاماً، وهو يقدم التنازل تلو الآخر للإسرائيليين، ويقدم نفسه على انه الشريك المعتدل، ومع ذلك لم يجنِ غير الإهانات منهم، فكم استجداهم من اجل زيارة مسقط رأسه (صفد) دون أن يتم السماح له بهذه الزيارة؟
أنا شخصياً، ومعي ستة ملايين لاجئ فلسطيني، أو هذا ما اعتقده، نقول للرئيس عباس إننا نريد العودة إلى مدننا وقرانا في فلسطين المحتلة المسماة حالياً “إسرائيل”، ولن نتنازل عن أي مليمتر واحد منها مقابل كل مليارات العالم، فهذه أرضنا، وهذا حقنا، ولذلك نطالبه بأن لا يتحدث باسمنا طالما أنه أراد أن لا يكون واحداً منا.
Twitter:@abdelbariatwan
صحيفة القدس العربي اللندنية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات