الثلاثاء 23/أبريل/2024

هل للتسوية مستقبل؟

هل للتسوية مستقبل؟

بداية حري الإشارة إلى أن التسوية التي أعنيها هي التسوية التي تنشدها “مبادرة السلام العربية” الباحثة، (عبر التفاوض برعاية الولايات المتحدة)، عن تسوية تلبي الحد الأدنى من الحقوق العربية المغتصبة، وليس التاريخية، أي التسوية التي تضمن، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، استعادة الأراضي العربية والفلسطينية التي احتلتها “إسرائيل” في العام 1967 وإقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة، وإيجاد “حل عادل ومتفق عليه لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين”، مقابل الاعتراف بوجود “إسرائيل”وتطبيع العلاقات العربية معها. أما المستقبل المعني فهو المستقبل المنظور، الممتد على مدى السنوات التي ستحكم خلالها إدارة أمريكية وحكومة “إسرائيلية”جديدتان تفرزهما تباعاً الانتخابات الأمريكية في 26 من الشهر الجاري والانتخابات “الإسرائيلية” في مطلع العام القادم.
بهذا المعنى لمضمون التسوية وثمنها وآلية التوصل إليها يصبح البحث في توقع مستقبلها بالمعنى المشار إليه، مساوياً للبحث في ما ينفذه طرفا الصراع والراعي المعتمد لتسويته، أي الولايات المتحدة، ذلك أن مستقبل محاولات تسوية الصراع لن يهبط من السماء، بل سيتشكل، أساساً، بناء على ما تصنعه أطراف الصراع في الحاضر الذي هو بدوره من صُنْعِ عوامل تشكلت في الماضي. ونقول أساساً، وليس كلياً، لأنه يجب الأخذ بالحسبان احتمال أن تشهد المنطقة أحداثاً وتطورات لا تفاجئ أطراف الصراع، أو بعضها بالأحرى، فحسب، بل، وتفاجئ كل باحث، (مثلنا)، في علم مستقبله. ماذا يعني هذا الكلام؟
إن تقديم إجابة تستشرف مستقبل تسوية الصراع بالمعنى المشار إليه، يقتضي أولاً تقديم إجابة عن سؤالين أساسيين، هما: لماذا أفشل قادة “إسرائيل” إلى الآن كل المحاولات، (أعني عقوداً من المفاوضات)، في التوصل إلى تسوية للصراع؟ ولماذا لم تمارس الإدارات الأمريكية المتعاقبة على اختلاف مشاربها الحزبية ضغطاً جدياً على قادة “إسرائيل” يجبرهم على تنفيذ القرارات الشرعية الدولية ذات العلاقة بالصراع، علماً أن تنفيذ “إسرائيل” لهذه القرارات يعطيها فرصة إقامة سلام يقوم على العدل “الممكن”، ويجنبها، (إلى أمد غير قصير)، الرضوخ لشروط سلام يقوم على العدل “التاريخي”؟ يحيل البحث في هذين السؤالين إلى أن قادة “إسرائيل” على اختلاف مشاربهم الحزبية، وعلى الرغم من ادعاءاتهم، لم يكونوا يوماً في وارد القبول بفكرة الحل القائم على التقسيم، وإلى أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة على اختلاف مشاربها الحزبية، وعلى الرغم من ادعاءاتها، لم تكن في وارد ممارسة ضغط جدي على “إسرائيل”، ليس لأنها لا تستطيع ممارسة مثل هذا الضغط كما يشيع البعض عن جهل حيناً، وبقصد حيناً آخر، بل لأنها لا تريد كما دلت التجربة العملية التي لا نصدق، ويجب ألا يصدق أحد، سواها.
وللتدليل على أن الإدارات الأمريكية تستطيع ممارسة مثل هذا الضغط لو أرادت، يفيد استحضار ما فعلته إدارة الرئيس الأمريكي، أيزنهاور، في شتاء 1956-1957، حيث أفلحت ضغوطاتها الجدية والعلنية، (مع التهديد السوفييتي الحاسم)، في إجبار “إسرائيل” على سحب قواتها من سيناء وقطاع غزة. ولعله في منزلة المفيد لكل المراهنين على إمكان أن تمارس الإدارة الأمريكية القادمة، بمعزل عن لونها الحزبي، ضغطاً جدياً على حكومة “إسرائيل” القادمة، استحضار حقيقة أنه خلا تلك المرة الوحيدة التي مارست فيها إدارة أيزنهاور ضغطاً جدياً على قادة “إسرائيل”، فإن أياً من الإدارات الأمريكية اللاحقة لم تمارس مثل هذا الضغط، بل، وإن العلاقات الأمريكية “الإسرائيلية” منذ ذلك التاريخ، وخاصة بعد حرب العام 1967، ما انفكت تشهد قفزات نوعية في سياق من التحالف الإستراتيجي الثابت.
على أية حال، وبمعزل عن جدل ما إذا كانت الولايات المتحدة لا تستطيع أو لا تريد ممارسة ضغط جدي على “إسرائيل:، فإنه لا يمكن تصور إحداث تغيير على سياستها تجاه تسوية الصراع، وجوهره القضية الفلسطينية، من دون أن يتغير، بصورة نوعية، الموقف العربي، ومنه الفلسطيني بالذات، أي من دون استخدام ما بحوزته من أوراق قوة، وما أكثرها. أما لماذا؟
فلأن المواقف المستقبلية للإدارة الأمريكية والحكومة “الإسرائيلية” القادمتين من تسوية الصراع بالمعنى المنشود عربياً، إنما تولد من رحم السياسة الأمريكية “الإسرائيلية” الحالية، التي تشير إلى أن قادة “إسرائيل”، بدعم من الولايات المتحدة ورعايتها، في غير وارد التوصل إلى تسوية للصراع، بل، وما انفكوا منذ سنوات ينحون نحو ممارسة درجات أعلى فأعلى من سياسة العربدة، والصلف، والتطرف، والتوسع، والعدوان. فمن تكثيف وتسريع غير مسبوقين لعمليات الاستيطان والتهويد والتقتيل والاعتقال في الضفة والقدس، وإحكام الحصار على غزة، وتصعيد الاعتداءات العسكرية عليها، إلى تهديد الأمن القومي المصري، إن كان بالمعنى العسكري عبر قتل الجنود المصريين في سيناء أو بالمعنى المائي عبر العبث بمنابع مياه النيل، أو بالمعنى المخابراتي عبر تجنيد شبكات التجسس، إلى لعبِ دور في تقسيم السودان وانتهاك سيادته بشن أكثر من اعتداء جوي على أهداف داخل أراضيه، وآخرها تدمير معسكر لتصنيع الأسلحة، تماماً كما فعلت حين دمرت منشأة عسكرية سورية في العام 2007، بما يذكر بتدمير المفاعل النووي العراقي في العام 1981، وبكل الحروب والاعتداءات التي وقعت على هذه الدولة العربية أو تلك.
وأكثر، فإن قادة “إسرائيل” يتأهبون لشن مزيد من الحروب، إذ ما انفكوا يهددون بتوجيه ضربة عسكرية لإيران أو تنفيذ عملية عسكرية “أوسع وأعمق” داخل غزة أو شن عدوان جديد على لبنان، بل، والتلويح بالتدخل العسكري المباشر في ما يجري في سوريا في حال حركت أو نقلت جزءاً من أسلحتها الكيماوية. كل هذا فيما تواصل المؤسسات الدولية الصمت على هذه الممارسات العدوانية التوسعية بضغط من الدول المسيطرة على قراراتها، وبالذات من الولايات المتحدة التي لم يُجمع مرشحا الانتخابات الرئاسية فيها على قضية مثل إجماعهما على التعهد بالحفاظ على أمن “إسرائيل” وتفوقها على ما عداها من دول المنطقة، وبالتالي، فإنه ليس ثمة مستقبل لتسوية الصراع إلا بحدوث تغيير نوعي على استخدام العرب أوراق قوتهم بما يستجيب لتطلعات شعوبهم المنتفضة.
صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

شهيد واصابتان برصاص الاحتلال في أريحا

شهيد واصابتان برصاص الاحتلال في أريحا

أريحا - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مواطن وأصيب آخران بجروح - فجر الثلاثاء- برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي، خلال اقتحامها أريحا. وأكد مدير...