السبت 20/أبريل/2024

القدس تنزِف من أحشائها

أحمد الحيلة

مرّت ثلاثة أشهر على قرار الرئيس ترمب الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني المحتل، وبقي نحو ثلاثة أشهر أخرى على تنفيذ قراره الآخر بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة.

عندما أُخذ القرار الأول حاولت الإدارة الأمريكية التمهيد خطابياً عبر وسائل الإعلام، وسياسياً من خلال التواصل مع حكومات دول عربية نافذة؛ تجنباً لردة فعل غاضبة قد تؤثر على المصالح الأمريكية في المنطقة وعلى أمن الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين المحتلة. ومع ذلك بقيت واشنطن قلقة، ما دفعها في حينه إلى القول إن نقل سفارتها لن يتم إلا في عام 2019 في محاولة منها لتهدئة الخواطر!!

لكن الإدارة الأمريكية، وبدفع من الكيان الصهيوني، عاجَلَتْنا بالإعلان عن نقل سفارتها إلى القدس في مايو القادم، ضاربة عُرض الحائط تخوفها من غضبة العرب والمسلمين، بعد أن ثبت لديها بأن “السماء لن تقع على الأرض”، حسب قول سفيرتها في الأمم المتحدة نيكي هالي.

اكتشاف الأمريكيين، كما الصهاينة، لمستوى الضعف أو العجز أو البؤس الذي عليه الأمة العربية والإسلامية عجّل صدور قرار نقل السفارة، كما سيُعجّل الإعلان عن صفقة القرن الأمريكية لتصفية القضية الفلسطينية، كما سيُسرّع سياسة الأمر الواقع الصهيونية القائمة على تهويد القدس والمقدسات وتفريغ المدينة من سكانها الفلسطينيين، وهو ما مهّد له برلمان الاحتلال (الكنيست) مؤخراً بإصداره لقانون يسمح لوزير الداخلية بسحب هويات/إقامة المقدسيين بشبهة “تهديد الأمن”.

مشكلة القدس ليست في الرئيس ترمب؛ فالإدارة الأمريكية (جمهورية أم ديمقراطية) كانت وما زالت وفيّة لليكان الصهيوني سياسياً، واقتصادياً، وعسكرياً، منذ نشأته، إيماناً منها بالمصالح المشتركة أو بحتمية قيام دولة “إسرائيل” إيديولوجياً، إيذاناً بعودة المسيح، حسب معتقداتهم الإنجيلية.

مشكلة القدس في أبنائها المنتمين لها هوية وعقيدة، فلسطينيين كانوا أم عرباً أم مسلمين، عندما أصبحوا شعوباً وقبائل متناحرة ومتنازعة على أسس عرقية، وطائفية، وحزبية، وقُطْرية..، يلهثون وراء واشنطن أو بروكسل لتنقذهم من أنفسهم المتوحّشة!

لا نلومهم ولكن نلوم أنفسنا عندما ضيّعنا بوصلتنا؛ بأن أصبحنا بلا عقيدة صادقة، أو عندما فقدنا حريّتنا بتحوّلنا إلى عبيد المال، أو الساسة، أو الملوك والأمراء..، فَخَذَلْنا قُدْسَنا بخذلاننا لأنفسنا.

القدس ستضيع، لا سمح الله، إن لم نُعِد النظر في أنفسنا، ونستجمع قوانا؛ فلسطينيين أولاً بامتلاكنا لزمام المبادرة، وبرؤية واضحة، وعمل دؤوب متواصل لا ينقطع، بعيداً عن الموسمية التي تُرضينا أحياناً وتَرْفع العتب عنّا، فالاحتلال كان ولا يزال لا يفهم إلا لغة التدافع الخشن، وهذا الأمر يحتاج لمن يُعلّق الجرس لتلحق به جموع الفلسطينيين والعرب، بغض النظر عن المطبّلين أو المروّجين للسلام الموهوم والذين يزعمون أنهم الأقدر على فهم الواقع.

لعل محنة القدس تحمل في رحمها منحة العودة والنهوض من جديد لأمةٍ هي أحوج ما تكون لما يجمعها على صعيد واحد، فهل هناك أفضل من القدس قضية وعنواناً؟

الخليج أونلاين

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات