الجمعة 29/مارس/2024

قانون القومية.. الوقائع والأهداف

قانون القومية.. الوقائع والأهداف

 ملخص
تتناول هذه الورقة “قانون القومية” الذي أقره الكنيست الإسرائيلي بعد جدل دام ثمانية أعوام، يعتبر هذا القانون بمثابة الأول من نوعه منذ بداية التشريع في تاريخ دولة الاحتلال الذي يذكر صراحة لفظة “أرض إسرائيل”، في دلالة وكناية بأن “إسرائيل” أصبحت رسمياً البيت القومي لليهود في جميع أرجاء العالم، مما يعكس أثار سلبية على الوجود العربي في الداخل المحتل الذي يعاني أصلاً من التمييز العنصري منذ عقود.

ورصدت الورقة موقف الحزب الحاكم -اليمين المتطرف- المتمثل بحزب الليكود بزعامة رئيس حكومة الاحتلال “بنيامين نتنياهو”، والأحزاب اليمينية المساندة وفقاً لمصلحتها بالتأكيد مثل حزب البيت اليهودي بقيادة “نفتالي بنت”، وحزب إسرائيل بيتنا بقيادة “أفغدور ليبرمان”.

وركز القانون على ذكر خواص ومعالم الدولة، والتي تخلصت عبر ذلك القانون من مسألة الاثنية المقلقة لها على الدوام، بالإضافة الى الاهتمام بقضية الاستيطان والحض على دعمه وتعزيزه على اعتباره عصب هذه الدولة الزائلة، لما يتمتع به المستوطنون -الذين هم بمثابة الخزان الانتخابي لليمين- من مكانة عند القيادة السياسية.

وتطرقت الورقة إلى موقف منظمة التحرير الفلسطينية الذي وصف بالقاصر والعاجز، وموقف الدول الكبرى المتراوح بين الصامت والهامس بالتنديد.

وتناولت الورقة أيضاً جملة من الوقائع والدوافع التي عجلت بإقرار القانون وفق الحسابات الإسرائيلية، التي تسير في فلك المصالح العليا للدولة.

وختاماً نستنتج بأن هذا القانون ما هو إلا حلقة في سلسلة طويلة تسعى إلى تهجير المواطن الفلسطيني من أرضه بشتى الطرق والوسائل، يقوم على تنفيذها كلٌ من الأذرع الأمنية والسياسية الإسرائيلية في آن واحد في إطار شكلي قانوني.
 
توطئة:
بعد مرور أكثر من سبعين عاماً على احتلال فلسطيني تحاول دولة الاحتلال “إسرائيل” تحديد طبيعتها وشخصيتها من خلال قانون كَثُر حوله الجدال، عرف في الوسط السياسي والإعلامي بـ “قانون القومية اليهودية”، لكن مُشَرِعَ القانون غفل عن استحالة إضفاء صفة القومية إلى اليهودية التي لم تكن يوماً من الأيام سوى ديانة من الديانات السماوية.

بيد أنه كشف الوجه الحقيقي للمنظومة الحاكمة في “إسرائيل” وما تَكِنُ صدورهم من عنصرية نابعة من نظريتهم الأيديولوجية الزاعمة “شعب الله المختار” وأن ما تبقى هم من الجوييم الأغيار، ويُعدُ قانون “القومية اليهودية” من أخطر القوانين التي أقرها الاحتلال، كونه يطمس هوية وثقافة صاحب الأرض ويستبدلها بثقافة وهوية مجهولتين.

والجدير بالذكر أن هذا القانون يعتبر بمثابة القانون الأول منذ بداية التشريع في تاريخ دولة الاحتلال الذي يذكر صراحة كلمة “أراض إسرائيل”.

خلال دورة الكنيست الثامنة عشر(2009- 2013)، اقترح كلٌ من آفي ديختر([1]) و زئيف إلكين([2]) قانونًا ينهي التيه الذي طال أمدها حول صبغة الدولة وشخصيتها تحت شعار “الدولة القومية للشعب اليهودي” مستندين في ذلك إلى رؤية هرتزل الرامية الى “إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين”، حيث تم التوقيع على مشروع القانون من قبل 40 عضو في الكنيست من أحزاب الائتلاف والمعارضة([3]).

بعد ثمانية أعوام من حالة النقاش والتحفظات والتعديلات التي شهدتها جلسات الكنيست حول القانون – تظهر مدى المناورة التي تلجأ لها “إسرائيل” عندما ترغب في التقدم خطوة نحو الأمام، وتبني اليمين القومي المتطرف بزعامة بنيامين نيتنياهو ونفتالي بينت للقانون تمت الموافقة عليه خلال الجلسة التي انعقدت في يوم 19/7/2018، حيث صوت 62 عضواً لصالح القانون، فيما عارضه 55 عضواً وامتناع اثنان عن التصويت([4]) .

ويسعى مشروع القانون إلى ترسيخ تلك القيم الوطنية –كما هو الادعاء- في وضع قانوني ملزم، وينظر الى اعتبار أن “إسرائيل” هي الدولة القومية للشعب اليهودي أخطر ما احتواه القانون، مما يعني بأنه لا مكان لأصحاب الأرض الحقيقيين من عرب ومسيحيين في الدولة، بالإضافة إلى أن صاحب الحق الطبيعي في تقرير المصير هو الشعب اليهودي.

وأكد على جملة من معالم الخاصة بطبيعة الصبغة الجديدة، التي هي في واقع الأمر قديمة على الأرض منذ بداية احتلاله، ولكن مبلور القانون رغب في تقديمه جملة واحدة، على هيئة قانون شامل جامع في إطار إنجاز يمني وطني خصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات، ومن تلك المعالم:

شارة الدولة شمعدان ذو سبعة شعب، وأوراق الزيتون على كلا الجانبين، أبيض مع اثنين من الخطوط على الحواف بالإضافة إلى نجمة داود الزرقاء في الوسط.

النشيد الوطني  الأمل “هتكفا”.

التقويم اليهودي، هو تقويم رسمي للدولة.

الأعياد اليهودية، عيد الاستقلال هو اليوم الوطني الرسمي للدولة، يوم ذكرى قتلى معارك وحروب ويوم ذكرى الكارثة هي أيام تذكارية رسمية للدولة.

اللغة العبرية هي اللغة الرسمية للدولة، فيما تحظى اللغة العربية بوضع خاص بعد أن كانت لغةً أساسية([5])، واستخدامها يتم ترتيبه وفق القانون.

وأن القدس عاصمة الدولة موحدة وكاملة.

الدولة مفتوحة للهجرة اليهودية، وستعمل الدولة على ضمان رفاهية الشعب اليهودي في العالم.

تنظر الدولة إلى تطوير المستوطنات اليهودية كقيمة وطنية، والعمل على تعزيز وتشجيع إنشائها.

مواقف الأحزاب الداخلية الإسرائيلية
لم تنتهِ حالة التجاذب والأخذ والرد بين الكتل السياسية والنخب الفكرية في “إسرائيل” حول قانون القومية، بل وحتى لم تنجح خطوة إقرار القانون في إنهاء حالة التباين تلك داخل المؤسسة السياسية المتنازعة والمتصارعة أصلاً.

موقف الحزب الحاكم وأحزاب اليمين من القانون:
حزب الليكود وعلى لسان زعيمه “بنيامين نتنياهو” أعرب عن سعادته البالغة بإقرار القانون، حيث قال: “هذه لحظة حاسمة في تاريخ الصهيونية وتاريخ دولة إسرائيل، وأكد أنه وبعد مرور 122 سنة على نشر هرتسل لرؤيته تم أنشاء المبدأ الأساسي لوجودنا، عضو الكنيست أمير أوهانا وصف الموقف باللحظة تاريخية وأنها لحظة حاسمة في تاريخ دولة إسرائيل “الدولة الوحيدة والوحيدة للشعب اليهودي([6])، وأكد أوهانا بأن “إسرائيل لن تكون دولة ثنائية القومية، وهذا ما كرره أيضاً مقترح القانون آفي ديختر، وطالب أيضاً بتبديد فكرة ” إسرائيل للجميع”.

أما حزب البيت اليهودي الصهيوني الديني فلم يكن صاحب موقف مخالف، فهو الذي يرى من خلال برنامجه السياسي في “إسرائيل” الدولة اليهودية ذات نظام ديمقراطي وأنه من الضروري العمل على تحديد صبغتها من خلال الحوار على قاعدة التوراة وتعاليم أنبياء “إسرائيل”.

موقف أحزاب المعارضة وبعض النخب الفكرية من القانون:
القائمة العربية المشتركة رأت في القانون أنه الأخطر في تاريخ “إسرائيل”، وأنه يؤسس لنظام فصل عنصري، لأنه يُشرع التمييز ضد العرب أصحاب الأرض القائم فعلاً قبل وجود القانون، وفي أعقاب إقرار القانون قام عدد من أعضاء القائمة في بتمزيق مشروع القانون داخل أروقة الكنيست، رئيس القائمة النائب “أيمن عودة” اعتبر هذا القانون الأرضية الأساسية لصفقة القرن([7]).

ويرى البروفيسور ألون هاريل أن القانون يضر بالشعب اليهودي والتراث اليهودي نفسه، قبل أن يؤذي غير اليهود، وأن هناك العديد من الجماعات اليهودية في “إسرائيل” التي تحتفظ بالتقاليد غير اليهودية كالمهاجرين الروس مثلاً([8])، حزب ميرتس من جانبه رأى في القانون أنه عنصري، وأنه أُقر على حساب الديمقراطية الإسرائيلية.

عضو الكنيست عن حزب العمل “إيتان كابل” رأي في أنه لا حاجة لـ “إسرائيل” بهكذا قانون؛ لأنه يشكل خطراً على النسيج الاجتماعي الإسرائيلي، ويخلق إشكاليات بين اليهود أنفسهم.

موقف الطائفة الدرزية من القانون:
أثار القانون غضب الطائفة الدرزية والتي بدورها قدمت التماساً للمحكمة العليا، واعتبرت أن “إسرائيل” قد تخلت عنهم رغم كل ما قدمته الطائفة للدولة منذ احتلالها، وقال البريجادير جنرال عماد فارس “إن الشعور هو أننا لسنا دائما متساوين إنه أمر محزن، لأننا كنا دائمًا نؤمن بأننا سنكون متساوين في وقت ما، ولكن الآن بعد أن تم إصلاحه في القانون، فإنه يبدو بعيدًا عن أي وقت مضى، لا أفهم سبب الحاجة إلى هذا القانون([9])”، وسارعت عضو الكنيست من “المعسكر الصهيوني” تسيبي ليفني إلى القول بأن صرخة إخواننا الدروز في وجه الحكومة جاءت في الوقت الحقيقي، ويأتي هذا في السياق المناكفات السياسية مع نتنياهو وليس حباً في الطائفة الدرزية.
 
موقف منظمة التحرير الفلسطينية من إقرار قانون القومية:
اعتبر القانون صفعة قوية جديدة في وجه المتمسكين بخيار المفاوضات وحل الدولتين، لم ترتقَ ردة الفعل الفلسطينية إلى المستوى المطلوب ولم تخرج عن دائرة الردود الكلامية والتصريحات الإعلامية، ولم نلمس أي توجه نحو خطوة ما سواء حالية أو قادمة تجبر “إسرائيل” على التفكير قليلاً في التراجع عن قرارها.

وكان يتوجب على السلطة الفلسطينية التخطيط لمجموعة من الخطوات التحضيرية في مواجهة القانون، كالتنصل من اتفاقية أسلو، وسحب الاعتراف بـ “إسرائيل” بصورة واقعة، -وبغض النظر من موقفي من الاعتراف– إلا أن طبيعة الدولة التي تم الاعتراف بها وأقصد هنا “إسرائيل” قد تغيرت معالمها وحدودها الزائلة.

وتركيز الجهود في توثيق الأواصر مع القيادة العربية في الداخل المحتل، والعمل على دعم مسيراتهم واحتجاجاتهم إعلامياً ومادياً.

عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، رئيس دائرة شؤون اللاجئين أحمد أبو هولي قال: إن قانون القومية الذي أقره “الكنيست” الإسرائيلي قانون عنصري تطهيري استيطاني، يستهدف أبناء شعبنا داخل الأراضي المحتلة عام1948([10])، واعتبر صائب عريقات أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أن القانون يعدّ ترسيخاً وامتداداً للإرث الاستعماري العنصري الذي يقوم على أساس التطهير العرقي وإلغاء الأخر([11]).
 
موقف الدول الكبرى من إقرار قانون القومية:
قالت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي” فيديريكا موغريني” إن القانون كان مثيراً للقلق، وأضافت أن هذا سيجعل من الصعب تنفيذ خطة الدولتين كجزء من حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وأعرب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة فرحان حق عن رفضه للإجراءات الأحادية ودعا لحل الدولتين ([12])، بالإضافة إلى جملة من الإدانات العربية والإسلامية الرسمية، فيما رفضت وزارة الخارجية الأمريكية التعليق على القانون.
 
الوقائع والدوافع التي ساهمت في إقرار “قانون القومية” في المرحلة الحالية:
قبل إقرار القانون كانت هنالك عدة وقائع محلية وإقليمية، بالإضافة إلى مجموعة من التحديات الداخلية والخارجية ساعدت بالإسراع بإقرار القانون، على رغم من حالة الجدل المستمرة داخل الأروقة السياسية الإسرائيلية ومنها:

المعضلة العميقة والتعارض الجوهري في النظام السياسي الداخلي الإسرائيلي، بين مفهومي الديمقراطية واليهودية:

كان واضحاً في القانون من خلال تعريفه للدولة على أنها دولة يهودية بحته، دون أن يتطرق إلى ذكر مصطلح ” الديمقراطية ” المقيد، بمعنى أن الديمقراطية في ظل هذا القانون ستصبح الخاضعة والتابعة لليهودية مخالفاً في ذلك كل النظريات السياسية والاجتماعية والأعراف الدولية، وكان من الواضح أيضاً أن القانون قد ركز في صياغته على الخصائص اليهودية للدولة.

في الواقع من يُمعِنُ النظر في القانون يرى بأنه لم يعمل على إرساء

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

36 شهيداً في عدوان إسرائيلي على ريف حلب

36 شهيداً في عدوان إسرائيلي على ريف حلب

حلب - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وسائل إعلام سورية بارتقاء 36 شهيداً في غارات إسرائيلية استهدفت أهداف في ريف مدينة حلب منتصف الليلة الماضية....