السبت 27/أبريل/2024

مسيرة العودة الكبرى .. القصة الكاملة

مسيرة العودة الكبرى .. القصة الكاملة

بعد سبعة عقود على التهجير، و12 عاما على حصار غزة.. قرر الشعب الفلسطيني أخذ زمام المبادرة بيده، متمثلاً بالقول العربي المشهور “ما حكّ جلدَك مثلُ ظفرِك”، مؤكدًا عظمة هذا الشعب وقدرته على العطاء والتضحية وإفشال كل المؤامرات التي تستهدف قضيته.

ومن مبادرات شبابية وحراك على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى فعل وطني كبير يلتحم به الشعب مع قواه الأساسية في أكبر مشهد وحدوي ووطني أعاد القضية الفلسطينية إلى صدارة اهتمام العالم في وقت كانت تحاك فيه المؤامرة لتصفيتها عبر ما يعرف بصفقة القرن.

فكرة المسيرة ومحدداتها..
هي مسيرة سلمية شعبية انطلقت باتجاه الأراضي التي هُجر منها الفلسطينيون عام 1948م؛ وتهدف لتطبيق حق العودة لهم، وتطبيق قرار الأمم المتحدة 194 الذي دعا بوضوح إلى وجوب السماح بالعودة للاجئين الفلسطينيين، في ذكرى يوم الأرض 30 مارس.


null

جاءت فكرة المسيرة امتداداً لانطلاقتها الأولى عام 2011م، حيث توجه الفلسطينيون من دول اللجوء العربية إلى حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة، ونجح أفراد في اجتياز الحدود والعودة إلى قراهم التي هجروا منها.

ومع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، (القدس عاصمة لإسرائيل)، ونقله السفارة الأمريكية لها، تصاعدت احتجاجات الفلسطينيين في كل الأراضي الفلسطينية، وفي قطاع غزة، باحتجاجات أسبوعية شعبية برزت قبالة موقع ناحال عوز العسكري، شرقي حي الشجاعية، شرق مدينة غزة، رفضاً لقرارات ترمب الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية، وكان أبرز أحداثها، استشهاد الشاب المقعد إبراهيم أبو ثريا بتاريخ 15 ديسمبر 2017م.


null

ومع تسلسل الأحداث، تداعى الفلسطينيون لمواجهة تحديات القضية الفلسطينية التي يخطط ترمب لتصفيتها، وأسسوا هيئة وطنية جامعة أطلقوا عليها اسم “الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة وكسر الحصار”، نروي قصتها عبر التقرير التالي:

مطلع فبراير 2018م، نصب لاجئون ونشطاء فلسطينيون خياماً للعودة؛ تعبيراً عن تمسكهم بحق العودة، وتحقيقاً لفكرة مسيرات العودة، لتتوالى الخطوات الميدانية، إذ أنشأت “هيئة العودة” 5 مخيمات شعبية قرب السلك الزائل مع الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948م، شرقي محافظات قطاع غزة الخمس.


وقالت هيئة المسيرة في بيانها الأول: “سننفر صوب الوطن، سنفترش الأرض وننصب خيام العودة. في الخيمة سنعيد سرد حكايات جداتنا، وسنوقد النار، ونصب القهوة، ونغني الأهازيج الوطنية، وسنحول مشارف الوطن المحرمة علينا إلى ميدان عودة كبير ينادي كل الذين أنهكتهم سنوات اللجوء وأضناهم الحنين إلى معانقة تراب الوطن، وسيسمع العالم كله أصوات اللاجئين بعد 70 عامًا من الانتظار، وسننتصر بعون الله.. وإن رسالة اللاجئين ستصل، ولكل بقاع العالم”.

وفي بيانها الأول، المعنون بـ”العودة قرار شعب” قالت هيئة العودة: “نعلن بزوغ فجر العودة إلى الديار، وأن حراكا جماهيريا قد انطلق وسيتصاعد لينسج خيوط العودة من آمال شعبنا المشرّد، ومن تضحيات شهدائنا وأسرانا وجرحانا، ومن نضالات شعبنا عبر مسيرة الكفاح الممتدة، وعبر مسيرة العودة عام 2011م، وعبر المسيرة العالمية للقدس عام 2012م (..) فتجهّزوا يا جماهير شعبنا ليوم العودة.. فالعودة هي قراركم،،، وآن لهذا القرار أن يتحقق”.


null

واستعداداً لانطلاق المسيرة في يوم الأرض، عقدت اجتماعات موسعة بين الفصائل الفلسطينية وهيئات محلية ومجتمعية وقانونية، للتجهيز للمسيرة، مؤكدين في اجتماعاتٍ رصدها “المركز الفلسطيني للإعلام” أن مسيرة العودة ستفشِل إعلان ترمب أن “القدس عاصمة إسرائيل” ومساعي توطين اللاجئين في دول غير فلسطين.

تزامنت تلك التجهيزات والاستعدادات، مع انطلاق حملة إسرائيلية دعائية تحريضية ضد الفلسطينيين والنشطاء الداعين لانطلاق مسيرات العودة؛ إذ وصفها أحمد أبو ارتيمة -أحد النشطاء الذين نادوا بانطلاق المسيرة- أنها: “تهيئة المناخ السياسي والإعلامي الإسرائيلي لرفع درجة العنف ضد الفعاليات السلمية في المستقبل”، مؤكداً في حينه أن “التجهيزات لمسيرة العودة الكبرى لن تتأثر”.

في الرابع عشر من فبراير 2018م، كشفت فصائل فلسطينية وقائمون على المسيرة لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” عن اتفاق بين الفصائل للبدء الفعلي في التحشيد لفعاليات مسيرة العودة؛ بموعدها في 30 مارس، بذكرى يوم الأرض؛ بهدف تحقيق العودة وكسر الحصار عن قطاع غزة لـ”تكون مصدر قلق كبير لدولة الاحتلال، وستضعها في مأزق أخلاقي، وتهوي بروايتها التي تجتهد في تسويقها عالمياً.


تصميم فلسطيني على حق العودة

بدأ العد التنازلي في السابع من مارس مع استمرار الاستعدادات الفلسطينية محلياً وخارجياً، ليعلن عن تشكيل الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة وكسر الحصار، بمؤتمر صحفي في قطاع غزة؛ يكون منسقها العام خالد البطش، بعضوية ممثلين عن كل الفصائل الفلسطينية ومؤسسات المجتمع المدني، وبالتنسيق مع اللجنة التنسيقية الدولية لمسيرات العودة الكبرى.

قالت الهيئة في بيانها الأول: “الترتيبات مستمرة لإنجاح مسيرات العودة، وبدأت الإجراءات لإقامة مخيمات الاعتصام، والهيئة تضم مؤسسات حقوق الإنسان والعشائر والوجهاء، ولجان اللاجئين والمؤسسات الصحية والقانونية والمرأة الفلسطينية ومختلف قطاعات المجتمع الفلسطيني، وهي مدعومة بقرار سياسي وطني”.

في السابع عشر من مارس، كانت أولى فعاليات هيئة العودة، بتظاهرة شعبية شرقي حي الشجاعية، قبالة موقع “كارني” العسكري الإسرائيلي؛ رفضاً لـصفقة القرن، ودعماً للمسيرة وفعالياتها، بمشاركة شعبية ورسمية حاشدة، وموجة إذاعية إعلامية مفتوحة، واستمرت الفعاليات طوال شهر مارس؛ منها زراعة 1000 شجرة زيتون، وماراثون رياضي، وجلسات للمجلس التشريعي شرقي قطاع غزة.

حاول الاحتلال الإسرائيلي جاهداً إفشال تلك التجهيزات، عبر استهدافه أراضي فارغة شرقي قطاع غزة، وقصف لمراصد المقاومة، وإحراق لخيام العودة، في استفزاز واضح لفصائل المقاومة الفلسطينية لجرها إلى جولة تصعيد قبيل انطلاق المسيرات، بقصف إسرائيلي في مارس 2018م، مع استدعائه لجنود الاحتياط وإلغاء إجازات العاملين في ألويته العسكرية.


null

مع كل صباحٍ يصاحب طلوع الشمس، ونقترب فيه ليوم الانطلاقة لمسيرة العودة الكبرى، تتوغل دبابات وجرافات إسرائيلية قبالة المخيمات الخمسة التي أقامتها الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة وكسر الحصار، شرقي محافظات قطاع غزة الخمس (الشمال شرقي مخيم جباليا، غزة شرقي حي الزيتون، الوسطى شرقي مخيم البريج، خانيونس شرقي بلدة خزاعة، شرقي رفح”، وتجرّف أراضي المواطنين، وتنصب الأسلاك الشائكة على طول الحدود الزائلة مع أراضينا المحتلة عام 1948م، مع حرب إعلامية الكترونية واتصالات هاتفية على النشطاء القائمين على المسيرات.

في يومها الأول، وبجمعة العودة الأولى، انطلق مئات الآلاف من أهالي قطاع غزة نحو مخيمات العودة الخمسة شرقي قطاع غزة، مع مشاركة حاشدة في الضفة الغربية عبر نقاط التماس مع العدو الإسرائيلي؛ ليواجههم بقمع قاتل عبر قنابل الغاز والرصاص المطاطي والحي، وقنص مباشر للمشاركين في المسيرة.

ارتقى 15 شهيداً في اليوم الأول من المسيرة، رصدت عدسات الكاميرات استشهاد عدد منهم، إذ قنصتهم قناصة الاحتلال مباشرة في الرأس وأنحاء متفرق من الجزء العلوي من الجسم.

أهداف مسيرة العودة:
بلْور إسماعيل هنية -رئيس الكتب السياسي لحركة حماس- منطلقات مسيرة العودة في ثلاثة أهداف هي:


1- التأكيد على تمسكهم بحق العودة الذي أثبتته القرارات الدولية وبقي حياً في ضمير كل فلسطيني.

2- رفض قرار ترمب والإدارة الأمريكية بنقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس وعدّها عاصمة لدولة “إسرائيل”، وهو القرار الذي عُدّ تحدياً للأمة المسلمة كلها؛ لكونه يعتدي على أهم رموزها وواحد من أقدس مقدساتها، الأمر الذي حوّل الولايات المتحدة في الضمير الفلسطيني والإسلامي إلى شريك في العدوان.

3- الإعلان أن غزة لن تقبل الموت البطيء، والمطالبة برفع الحصار فوراً.

فعاليات وطنية وتراثية:
نصبت خيام العودة على بعد 400-600 متر من السلك الزائل مع أراضينا المحتلة، لتقام فيها الفعاليات يوماً بعد يوم، وأسبوعاً بعد أسبوع، متنوعة بين فعاليات وطنية وتراثية أحيا فيها الأبناء تراث أجدادهم، وذكر الأجداد أحفادهم في أسماء قراهم التي علقت لافتات تحمل تفاصيل عنها، على خيام العودة المنتشرة في المخيمات؛ مع عقد مهرجانات وطنية داعمة للأسرى والمرأة واللاجئين الفلسطينيين، ومعارض فنية وإعلامية.

أعاد أهالي قطاع غزة الحياة إلى الحدود الشرقية؛ عبر إقامتهم موائد للطعام، وإيقاد مواقد الخبز وأفرانه الطينية، وإحياء أعياد ميلاد الأطفال، مع نصب لألعاب ترفيهية تعوّد الاحتلال الإسرائيلي على استهدافها بقنابل الغاز، واعتداء متكرر على مخيمات العودة وخيامها.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات